وصلت القضية الفلسطينية إلى أذهان العرب بأكثر من طريقة، ومن بينها، وأكثرها تأثيرًا، الأغنية والموسيقى، هذا الخطاب الذي يحمل معه قبوله وقدرته على التغلغل في رأي وعاطفة المستمع، وتشكيل موقف من الموضوع الذي يرويه.
يجري ذلك عبر أصوات وحناجر نذرت نفسها لفلسطين، فتبنت بعض الأصوات القضية الفلسطينية، وقاومت الاحتلال الإسرائيلي بالأغنية، وصرخت في وجه العالم طلبًا لعدالة غائبة يُحكى عنها في القاعات الأممية.
ومن أبرز الفنانين الذين تبنوا القضية وحملوها في حناجرهم:
ريم البنا
يعتبر الفلسطينيون ريم البنا رمزًا للنضال الفلسطيني، وصوتًا مرتفعًا منادٍ بالقيم الإنسانية، في محاولة للفت أنظار العالم للقضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في العيش الكريم ضمن دولته المنشودة.
ولريم عشرة ألبومات، أشهرها “جفرا” و”مواسم البنفسج” و”نوّار نيسان” و”مرايا الروح” الذي أهدته للأسرى في السجون الإسرائيلية.
وتعاونت ريم في أغنياتها مع كبار شعراء فلسطين، مثل سميح القاسم، وزهيرة صباغ، واشتهرت بأعمال عدة أحيت خلالها تراث بلدها ونقلته للعالم.
ريم البنا من مواليد عام 1966، في مدينة الناصرة، وهي ابنة الشاعرة الفلسطينية زهيرة الصباغ، درست الموسيقى في المعهد العالي للموسيقى في موسكو، وتخرجت منه عام 1991.
وإلى جانب موقفها من قضية بلادها، دعمت ريم الثورة السورية ووقفت في صفها، وتسبب إعلان خبر وفاتها عبر قناة “سما” الموالية للنظام السوري، في فصل مدير البرامج، ومقدم البرنامج الذي تطرق لوفاة ريم.
توفيت ريم في آذار 2018، بعد صراع طويل مع مرض السرطان امتد لتسع سنوات.
سناء موسى
اعتمدت سناء موسى في أغنياتها على الفلكلور والتراث الفلسطيني، فرفعت اللهجة الفلسطينية في أغنيتها، وقرّبتها من المستمع العربي، الذي أخذته بصوتها إلى الأحياء الفلسطينية، ليتعرف على الحياة هناك بحزنها وفرحها.
وتندرج أعمال سناء في إطار المدرسة الكلاسيكية، التي تعتمد على الصوت المنفرد للفنان “صولو” مع الآلات الموسيقية.
ولدت سناء عام 1979، في قرية دير الأسد، في الجليل الأعلى، شمالي فلسطين، وشاركت في العديد من المهرجانات.
وغنّت لفلسطين والمقاومة والثائر الفلسطيني والشهيد، والأم التي توّدع ابنها، ولعالم الشهيد ككل، وحملت أحزان القضية ومأساتها إلى العالم.
كتبت سناء بنفسها كلمات بعض أغنياتها، كما عدّلت وتصرفت بكلمات أغنيات تراثية قديمة، بالإضافة لتعاونها مع جدّتها وطفة موسى، التي كتبت لها بعض أغنيتها، إلى جانب شعراء آخرين.
وجددت ريم الأغنية القديمة، وقدّمتها بطابع أكثر حداثة مع الحفاظ على سحر الأغنية وهويتها وطابعها الشرقي الأصيل.
وفي حزيران 2012 وقفت سناء على مسرح الحي الثقافي “كتارا” في العاصمة القطرية الدوحة، وغنّت في حفل “وطن يتفتح للحرية” لدعم الشعب السوري، إلى جانب الفنانة السورية، أصالة نصري.
أبو عرب
يعتبر أبو عرب شاعر ومنشد الثورة الفلسطينية الكبرى، الذي تبنى قضيته وضحى في سبيلها، حتى صار اسمه مرتبطًا بالأغنية النضالية الفلسطينية.
إبراهيم محمد صالح، هذا هو الاسم الكامل للرجل الذي ولد عام 1931، وشهد خلال طفولته الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، واجتياح العصابات الصهيونية لفلسطين عام 1948، وصار معروفًا بين الناس باسم “أبو عرب”.
قدّم أبو عرب نضاله الفني بأمانة، فعبّر بأغنياته عن حقيقية ما يعيشه الفلسطيني ويحسه من شوق وحسرة وخيبة في بعض الوقت، أمام حالة تخلّي أرخت بظلالها لوقت طويل على القضية الفلسطينية.
فغنى لبلاده من مخيمات الشتات، البلاد الكاملة بعين أبنائها، والمتآكلة على الخريطة أمام أطماع المحتل الإسرائيلي، وأكثر من المواويل وغذاها بمسحة حزن واضحة في صوته.
أبو عرب من مواليد قرية الشجرة، بين مدينتي الناصرة وطبريا، وهي قرية رسام الكاريكاتير الفلسطيني الراحل، ناجي العلي.
توفي في آذار 2014 في حمص، حيث استقر، بعدما جرّب أكثر من قرية وبلد للجوء، ودفن في حمص، بعيدًا عن فلسطين التي تغزّل بها طيلة أغنياته.
أمل مرقص
ولدت أمل مرقص في قرية كفر ياسيف، في الجليل، وهي واحدة من الفنانات الفلسطينيات الرائدات، باعتبارها مغنية وموسيقية، إضافة إلى دراستها الأكاديمية الطويلة المتعلقة بآلية وفنون استعمال الصوت وتدريبه.
بدأت الغناء في طفولتها، وصبّت اهتمامها على الأغنية الفلسطينية، أو التي تناسب الجمهور الفلسطيني، فغنّت من التراث والفلكلور، بعد إضافة لمسات تمنح الأغاني القديمة قبولها على مستوى الموسيقى والتوزيع.
واستطاعت بعد كثير من الحفلات داخل فلسطين وخارجها الحفاظ على مسارها الفني، كمغنية فلسطينية تصون لهجتها وحضور بلادها الموسيقي في أسماع الجمهور العربي.
لأمل عدّة ألبومات غنائية، صدر أولها عام 1998، بكلمات وألحان عربية أصيلة، وموضوعات يألفها المستمع الفلسطيني، والعربي بشكل عام.
استعانت أمل بكلمات كبار الشعراء الفلسطينيين والعرب، مثل محمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد، وفدوى طوقان، وأحمد فؤاد نجم، وصلاح جاهين، بالإضافة لتعاونها مع كتاب شباب، ومن بينهم ابنها فراس زريق.
غنت أمل مرقص للوطن، وللتمسك به، للبقاء، وللراحلين، للحبيب البعيد الذي تصفه أغنيات التراث وتتغزل بمحاسنه، متيحة لكل مخيلة أن تختار من يناسبها لتلك الصفات.
شاركت أمل في مهرجانات عربية ودولية، وغنّت إلى جانب فرق موسيقية محلية وعربية، كما غنت مع فنانين أجانب، وكرّمتها مؤسسة محمود درويش عام 2018.