أحيت تركيا يوم 15 يوليو( تموز) الذكرى الأولى للانقلاب العسكري الفاشل، بتنظيم تجمعات شعبية احتفالية حاشدة في معظم مدنها. وألقى الرئيس أردوغان كلمتين في أنقرة وإسطنبول، حيث أشار إلى أن عملية القمع ضد المتهمين بتدبير الانقلاب، والتي أدت لاعتقال الآلاف، بينهم أكاديميون وصحفيون وموظفون حكوميون، سوف تستمر. وقد أضاف بعداً دينياً لاتهام من كانوا وراء الانقلاب بأنهم” ملحدون”.
ولفت محمد أيوب، زميل بارز لدى مركز السياسة الدولية، وأستاذ فخري متميز في العلاقات الدولية لدى جامعة ميتشيغن الرسمية، في مجلة ناشونال إنترست، إلى أنه رغم مرور عام على الانقلاب، فإن الحكومة التركية لم تقدم تفسيراً مقنعاً لأسباب وقوعه ومن نفذه. فقد اتهم أتباع الواعظ الإسلامي فتح الله غولن بتدبير المحاولة، ولكن دون تقديم برهان قوي على دوافعهم ونشاطاتهم. وقد قاد ذلك لتوجيه أصابع الاتهام لمنفذي المحاولة داخل تركيا وخارجها.
علم مسبق
وتشير تقارير إلى أن حاكان فيدان، قائد الاستخبارات التركية، والجنرال خلوصي أكار، قائد الجيش، كانا على علم بالانقلاب قبل ساعات من وقوعه لكنهما لم يوقفاه، ما عزز الشعور بأن وراء المحاولة أشياء لم تظهر للعيان. وقد أدت تلك التكنهات، والتي عجزت الحكومة عن دحضها، لدفع رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، لوصف المحاولة بعبارة “انقلاب مضبوط”. ويوحي التوصيف إلى أن أردوغان أمر بتنفيذ الانقلاب من أجل إعطائه عذراً لقمع خصومه ولجمع سلطات أكبر بين يديه.
واقع كئيب
ويرى أيوب أن الواقع داخل تركيا أكثر قتامة من الأجواء الاحتفالية التي ظهرت في إسطنبول وأنقرة. وهي في حقيقة الأمر تبدو شبيهة بالوضع الذي ساد في تركيا في عام 1980، قبل مدة وجيزة من وقوع انقلاب عسكري. فالشعب منقسم إلى نصفين، ولا يحتمل إجراء حوار بسبب سياسات أردوغان التسلطية. وقد تبدى الانقسام داخل تركيا بوضوح في نتائج الاستفتاء الذي جرى في أبريل(نيسان)، والذي أجري بهدف تحويل النظام السياسي التركي إلى رئاسي تتركز فيه معظم السلطات عند الرئيس. وقد أدار أردوغان وحزبه، العدالة والتنمية، آي كي بي، حملة قوية للتصويت بنعم في الاستفتاء، فيما منعت المعارضة من الوصول لمعظم المنافذ الإعلامية لعرض وجهات نظرها. ورغم تلك الحملة المنحازة، استطاع أردوغان الفوز في الاستفتاء بهامش ضئيل جداً، وهزم في أكبر ثلاث مدن تركية، اسطنبول وأنقرة وإزمير.
دروس
ورغم ذلك، يقول الكاتب، لم تنعكس دروس تلك النتيجة، وهي بمثابة خسارة، في سياسات أو خطب الرئيس الذي واصل المضي في خطه المتشدد ضد خصومه عبر اعتقال منشقين وإطلاق وصف” خونة” عليهم.
ويلفت الكاتب إلى استقطاب “المسيرة من أجل العدالة”، التي قادها زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، من أنقرة إلى اسطنبول، عشرات الآلاف من الأتراك. فقد ساروا معه دفاعاً عن الديمقراطية، وكتحذير لأردوغان ضد سياساته التسلطية، وكانت بمثابة إشارة واضحة لانقسام كبير تشهده السياسات التركية. وقد اختتمت المسيرة بتجمع حاشد في اسطنبول، شارك فيه أكثر من مليون شخص، في إشارة واضحة لفقدان أردوغان الدعم الكبير الذي حظي به في المدينة التي استهل منها مسيرته السياسية.
الانقسام الكبير
وبحسب أيوب، يشبه هذا الانقسام الكبير في المجتمع التركي بين اليمين واليسار، الحال الذي ساد في عام 1980، ووفر عذراَ للجيش لكي يسيطر على السلطة.
ورغم أنه لا يمكن لحالتين يفصل بينهما عدة عقود أن تكونا متشابهتين، فإن المقارنات بين حال المجتمع التركي وما كان عليه في عام 1980 لا يمكن تجاهلها.
وكما كان الحال في عام 1980، ارتفعت حصيلة العمليات الإرهابية في تركيا، ما استدعى اتخاذ إجراءات مشددة لفرض النظام وحكم القانون، وعمليات قمع ضد الأكراد، وهو ما يجري حالياً من قبل الحكومة التركية.