دقّ تقرير حديث ناقوس الخطر حول سياسة الجشع والاحتكار والفوضى والتجاوزات والمنافسة غير الشريفة، التي تنهجها بعض شركات التأمين، لتحقيق الربح السريع على حساب استغلال المستهلك المغربي، خاصة فيما يتعلق بالتأمين على الحياة، الذي تحتكر أربع شركات حوالي 63 في المائة من رقم معاملاته.
وقال تقرير جمعية وسطاء ومستثمري التأمين بالمغرب، إن هذه الاختلالات التي تشوب قطاع التأمين، تقوم بها بعض شركات التأمين من جهة، وبعض شركات التأمين وشركات الأبناك من جهة آخرى، وذلك عن طريق بناء تكتلات اقتصادية لمارسة تحالفات وتواطؤات فيما بينهم، من أجل الهيمنة الاقتصادية الكلية على القطاع، والتحكم بالتالي في الأسعار والاستفراد بالمستهلك المغربي، دون أي تنافسية حقيقية، مستغلين في ذلك إجبارية التأمين قانونا في العديد من فروعه، وغياب المراقبة الفعلية عن القطاع، لتحقيق أرباح فاحشة على حساب استغلال بشع لفئة عريضة من المستثمرين في قطاع الوساطة والتأمين، بعدم أداء التعويضات والحوافز والمستحقات التجارية المنصوص عليها قانونا لهاته الفئة، ووضع اتفاقيات وشروط موحدة فيما بينهم لتحديد تعريفة موحدة في الأسعار والعمولة والمعاملات التجارية في السوق.
وأضاف التقرير أنه يتم أيضا التكريس لسياسات احتكارية في السوق لأهم فروع التأمين لاسيما التأمين على الحياة، والذي يتم تسويقه بتعريفات منخفضة فيما بين شركات التأمين وشركات الأبناك وبدون قيود عن تلك التي يتم فرضها على زبناء ووسطاء التأمين من وكلاء وسماسرة.
كما أنه يتم بيع وترويج عقود التأمين خارج نطاق القانون كتأمين العربات ومتعدد الأخطار للأشخاص أو للمهنيين وغيرهم عبر شبابيك الوكالات البنكية وبطرق غير مشروعة، ودون احترام للضوابط والشروط القانونية لتقديم عمليات التأمين والمنصوص عليها في مدونة التأمين والتلاعب بحقوق المؤمن لهم.
وهي ممارسات اعتبرها التقرير تدخل في صميم المنافسة غير الشريفة وغير المشروعة، والتي تقترفها هاته المؤسسات المالية الكبرى بالبلاد، والتي يعاقب عليها القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، وبعقوبات جنائية وفقا للتشريعات التي صادق عليها البرلمان المغربي في مدونة التأمينات.
وانتقد التقرير ما أسماه حجم الجشع الذي يمارس في السوق، والنهب للمداخيل الضريبية لخزينة الدولة والأضرار الاقتصادية والاجتماعية الجسيمة المخلفة حاليا بحق الآلاف من المستثمرين وعشرات الآلاف من الأسر والعاملين معهم والمستفيدين من القطاع.
وتطرق التقرير إلى نموذج يتعلق بالخروقات المسجلة في قطاع الوساطة في التأمين على الحياة، حيث قال إن سوق التأمين عرف تطورا هائلا في رقم معاملات فرع التأمين على الحياة بالمغرب، والذي حقق في سنة واحدة معدل نمو قارب 18 في المائة، برقم وصل إلى 18.189 مليار درهم سنة 2018، بفارق 1.2 مليار درهم عما حققه سنة 2017، كما تطور هذا الرقم في الخمس سنوات الأخيرة ليحقق معدل نمو وصل إلى 100 في المائة سنة 2018 مقارنة بسنة 2014.
غير أن هذه الأرقام لا تعكس واقع الحال، حسب التقرير، حيث تحتكر مجموعة من أربعة أبناك والمؤسسات المالية ما يقارب 63 في المائة من سوق التأمين على الحياة حسب الإحصائيات الرسمية المعلن عنها في تقرير الهيئة، بينما لا تستطيع فئة الوسطاء والمستثمرين في التأمين الوصول إلى هذا السوق، نظرا للحواجز العديدة التي تفرضها شركات التأمين لإنجاز عقود التأمين على الحياة من طرف شبكة الوسطاء، وهي الشروط التي لا يوجد لها تطبيق عند تسويقها وإنجازها من طرف الوكالات البنكية بجميع ربوع المغرب.
وأضاف التقرير أن هذه الممارسات قد انعكست على ما يتم تسجيله من رقم معاملات التأمين على الحياة من وسطاء التأمين والذي يعادل صفر لدى جل المكاتب بربوع المملكة، في حين تؤكد الإحصائيات الرسمية تطور وسيطرة البنوك على هذا الفرع بمعدل قارب الضعف.
إلى جانب ذلك، يضف التقرير أن ظاهرة المنافسة غير المشروعة، التي استفحلت بشكل غير مسبوق في ميدان الوساطة في التأمين، وممارسة نشاط الوساطة من قبل أشخاص لا يتوفرون على الصفة القانونية أو مؤسسات مالية لا تتوفر على الاعتماد الممنوح من طرف الدولة، بل الأكثر من ذلك، أصبحت شركات التأمين وإعادة التأمين تمارس عمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار، باستحواذها على مؤسسات بنكية في السوق ومن خلال ممارسة الهيمنة على الوسيط باعتبارهم المورد الوحيد له، وبيع منتجات التأمين مباشرة للزبناء عن طريق الأبناك التابعة لمجموعاتها، وهي الحالة التي تجسدها استحواذ مجموعة من الأبناك التجارية لوحدها على 63 في المائة من سوق التأمين على الحياة بالمغرب، والتي تقوم ببيع وتوزيع عقود التأمين على الحياة بطرق منافية لشروط المنافسة المشروعة وبتركيزها أكثر من 91 في المائة من معاملات التأمين في قطاع تأمين الأبناك.
ومن خلال الأرقام والمعطيات المستقاة من التقارير الصادرة عن هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، فإن شركات الأبناك الحاصلة على الاعتماد في المغرب لا تتجاوز 11 بنكا فقط، في حين هاته الشركات تروج عقود التأمين في أزيد من 6182 وكالة بنكية لتقديم عمليات التأمين وفقا للأرقام المصرح بها من الهيئة الوصية إلى غاية 31 مارس 2019، وبالتالي، فإن تقديم عمليات التأمين يتم خارج الضوابط القانونية في الواقع للمستلهك المغربي، وعبر هذا العدد الهائل من الوكالات التي لا تتوفر على أي اعتماد من الدولة، في مخالفة صريحة للفصل 306 والذي ينص على أنه لا يمكن لبريد المغرب وشركات الأبناك المعتمدة بموجب القانون المتعلق بمؤسسات الإئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها وجمعيات السلفات الصغرى أن يعرضوا عمليات التأمين إلا بعد الحصول على اعتماد من الهيئة في هذا الشأن.
وإلى جانب ذلك، وحسب ذات المعطيات دائما، فإن عدد الرخص الممنوحة للأبناك في المغرب هي في حدود 11 بنكا، وببلادنا، تستثمر 3 أبناك على الأقل في مجال عمليات التأمين أغلب رأسمالها أجنبي، في حين أن مدونة التأمينات تنص على شروط يجب احترامها للحصول على اعتماد وسيط تأمين للأشخاص المعنويين، وهي أن يكون 50 في المائة من رأس المال على الأقل في حوزة أشخاص طبيعيين من جنسية مغربية أو أشخاص معنويين خاضعين للقانون المغربي وهو المخالف في هاته الحالة.
بالإضافة إلى ذلك، يتم الترويج للعديد من فروع التأمين بالوكالات البنكية بدون أي سند قانوني وبدون مكاتب خاصة ومستقلة وبدون أي استثمار في قطاع التأمين. إذ تقوم العديد من الوكالات البنكية في غياب أي دور رقابي من الهيئة الوصية منذ سنوات، باستغلال أجرائها لبيع وترويج عقود التأمين للعديد من فروع التأمين خارج نطاق القانون والضوابط المنصوص عليها في مدونة التأمينات. والتي ذكر التقرير منها على سبيل المثال، بيع وترويج عقود تأمين عن أخطار المسؤولية المدنية للعربات أو تأمين حوادث الشغل أو التأمين ضد الأخطار المتعددة للمنازل والمؤسسات المهنية، وغيرها.
وأوضح التقرير أن مدونة التأمينات لا تجيز للوكالات البنكية، ترويج هاته الأصناف من فروع التأمين، هذا على فرض توفر هاته الوكالات على اعتماد من الدولة، وهي معطيات تكشف بالملموس، حسب التقرير أن الزبون المغربي المكتتب لهاته العقود قد وقع ضحية لجشع القطاع المالي البنكي، فيما يتم تقديم هاته المعاملات التجارية المحظورة عن طريق أشخاص غير مؤهلين ولا يتوفرون على الصفة القانونية والمهنية لتقديم النصح والإرشاد للزبناء في هذا المجال، فضلا عن غياب أماكن خاصة ومستقلة تشير إلى رقم الرخصة وتاريخها ونوعية العروض المقدمة في عمليات التأمين، وبالتالي فهاته المؤسسات المالية الكبرى بالمغرب تنافس الآلاف من المقاولات الصغرى والمتوسطة في السوق بدون أي استثمار حقيقي في القطاع سواء المادي أو المعنوي، أو في تكوين الموارد البشرية وبدون أداء أي ضرائب عن الاستغلال مع الاستفادة من مختلف الفرص، التي توفرها معطيات بيانات الزبناء عن حساباتهم البنكية، ومعرفة حجم ونوعية نشاطهم وغيرها من المعطيات الشخصية والمهنية التي يسهل الحصول عليها بالنظر للدور الحيوي للمجال البنكي والمالي، ويكون بالتالي، الزبون فريسة طيعة لهاته المؤسسات المالية الكبرة مادامت تشتغل خارج كل الضوابط القانونية، وبدون أي تكلفة استثمارية أو ضريبية تدفع للدولة.
ومن بين الخروقات الكثيرة التي تحدث عنها التقرير، قيام بعض مقاولات التأمين وإعادة التأمين، بالإضافة إلى ترويج عقود التأمين بالوكالات البنكية بدون أي اعتماد في السوق، ببيع وترويج عقود التأمين عبر الأنترنت، بشكل مباشر، وبدون مكاتب فعلية وبأثمان تفضيلية عن تلك المعتمدة لدى شبكات التوزيع لدى الوسطاء،وهو ما يتهدد الوسطاء المعتمدين بالإفلاس، وهو ما يعني أيضا ضعف إرشاد المستهلك عن طبيعة وشروط عقود التأمين بشكل قانوني.
ورغم هاته الممارسات، فإن التقرير يسجل عدم تدخل الهيآت الرقابية الوصية لبنك المغرب، أو هيئة مراقبة التأمينات، بالرغم من الشكايات التي رفعت إليهم، وبالإضافة إلى تسجيل دور سلبي من مؤسسة مجلس المنافسة، لعدم اتخاذها أي تدابير تحفظية أو وقائية لحماية الاقتصاد الوطني من سيادة منطق الهيمنة الاقتصادية في سوق التأمين، وتغول هؤلاء الفاعلين، أمام عدد الإحالات والمراسلات المرفوعة وحجم الخروقات المسجلة فيها ومحاضر الاستماع المنجزة، والتي تم توقيعها من طرف الجمعية ومجموع التقارير والأدلة التي أرفقت معها من طرف مهنيي الوساطة في التأمين منذ سنة 2019، إلا أن مجلس المنافسة لم يحرك ساكنا.