عاجل

رحلة في أعماق الذات: مسرحية نيكاتيف والتحولات الإنسانية على خشبة المسرح المغربي

رحلة في أعماق الذات: مسرحية نيكاتيف والتحولات الإنسانية على خشبة المسرح المغربي

تعود خشبة المسرح المغربي لتشهد تألقاً جديداً مع عودة الممثلين القديرين عبد اللطيف خمولي وجواد العلمي، اللذين يجولان حالياً في جولة فنية متميزة بمسرحية ‘نيكاتيف’. هذا العمل الفني، الذي يأتي تحت إدارة المخرج المبدع عبد المجيد شكير، يمثل دعوة عميقة للتأمل في مسرحية نيكاتيف والتحولات الإنسانية التي يمر بها الفرد في رحلته الوجودية. إنها ليست مجرد مسرحية، بل تجربة بصرية وفكرية تقتبس من نص للكاتب الجنوب إفريقي أثول فوغارد، وتقدم رؤية فنية متجددة بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل، ضمن مشروع التوطين المسرحي لفرقة ‘مسرح أبعاد’.

رؤية المخرج: المسرح كمختبر للواقع

يتميز المخرج عبد المجيد شكير برؤية إخراجية تتجاوز مفهوم الفرجة السطحية، ليجعل من ‘نيكاتيف’ مساحة رحبة للتساؤل العميق. يؤمن شكير بأن المسرح ليس مجرد عرض جمالي، بل هو مختبر حي يعيد تشكيل الواقع أمام الجمهور ويفتح أفقاً للنقاش حول التحولات الاجتماعية والسياسية التي تمس نسيج المجتمع. في عالمه الإخراجي، يمتزج اليومي بالوجودي، وتتقاطع العوالم الإنسانية في فضاء مفتوح على التأمل، مما يدفع المتلقي إلى التفكير في قضايا الإنسان ومآزقه المعاصرة. هذه الفلسفة تحول كل مشهد في ‘نيكاتيف’ إلى محفز للعقل والروح.

قصة ‘نيكاتيف’: رحلة الجندي الهارب نحو الحرية

تغوص مسرحية ‘نيكاتيف’ في قصة فلسفية وإنسانية مؤثرة، محورها الجندي ‘بفيل إيفانوفيتش نافروتسكي’ الذي يقرر الفرار من ساحة المعركة بعد أن يدرك أنه وجد هناك عن طريق الخطأ. يختبئ في زريبة خنازير، لتبدأ حياته بالاختلاط بحياة تلك الكائنات، فيصبح جزءاً من عالمها المليء بالقذارة والعزلة. هنا، يعيش صراعاً داخلياً مريراً بين الخوف الذي يكبله والرغبة الملحة في استعادة إنسانيته المهدورة وكرامته المفقودة. تتجسد أمامه أسئلة الهوية والحرية، ويدفعه هذا الصراع إلى قرار الاعتراف بخيانته في احتفال عيد النصر، إلا أن تمزق بذلته العسكرية يجعله يتراجع، ليعيش نوبة جديدة من اليأس. ولكن، فرصة نزهة ليلية يمنحها إياه والده تفتح عينيه على جمال الحرية وعبق الهواء النقي، ليتخذ قراره الجريء بالهرب وترك حياة القذارة خلفه، مستسلماً لقدره، مؤمناً بأن العقاب مهما كان قاسياً، لن يضاهي قيمة استعادته لضوء الشمس ونقاء روحه. هذه القصة الرمزية تضيء جوانب مهمة من مسرحية نيكاتيف والتحولات الإنسانية.

الرسائل الفلسفية لـ مسرحية نيكاتيف والتحولات الإنسانية

تتجاوز ‘نيكاتيف’ حدود السرد لتصبح مرآة عاكسة لمأزق الإنسان المعاصر. إنها ترسم صورة حية للفرد الذي يعيش بين قطبين متناقضين: الخوف الذي يشل حركته والحرية التي يشتهيها، بين الاستسلام لواقع قاس والمقاومة من أجل البقاء، وبين الرغبة في الانتماء والبحث المضني عن الذات الحقيقية. المسرحية تسلط الضوء على كل فرد يقف حائراً أمام واقع يلتهم القيم والمعاني، وتقدم رؤية عميقة لكيفية تأثير الظروف القاسية على النفس البشرية وقدرتها على التغيير. إنها دعوة للتفكير في كيف يمكن للإنسان أن يجد طريقه نحو النقاء والكرامة، حتى في أحلك الظروف.

أداء متألق وطاقم فني مبدع

يشارك في أداء هذا العمل الممثلان المخضرمان عبد اللطيف خمولي وجواد العلمي، اللذان يضيفان عمقاً وتجربة ثرية للشخصيات التي يجسدانها. وينضم إليهما الفنان منير أوبري، ليكمل هذا الثلاثي المبدع لوحة فنية متكاملة. خلف الكواليس، عمل طاقم فني متكامل على أدق تفاصيل العرض، في سعي جماعي نحو تقديم تجربة مسرحية فريدة تستفز المتلقي وتدفعه إلى التفكير. هذا التضافر بين الخبرة الشبابية والرؤية الإخراجية المتجددة يعزز من مكانة العمل.

تجديد المسرح المغربي

يؤكد هذا العمل الفني على استمرارية الحضور المسرحي المغربي وقدرته الفائقة على التجديد في الرؤى الجمالية والفكرية. إنه لقاء فريد بين جيل من المبدعين الذين راكموا تجربة طويلة وعميقة على خشبة المسرح، وبين رؤية إخراجية حديثة ومتطورة، مما يثري المشهد الثقافي ويقدم إضافة نوعية للمسرح الوطني. ‘نيكاتيف’ ليست مجرد مسرحية، بل هي شهادة على حيوية وتطور الفن المسرحي في المغرب.

لمتابعة المزيد من الأخبار الفنية والثقافية، يمكنكم زيارة الجريدة نت، الموقع الإخباري الأول في المغرب.

التعليقات (0)

اترك تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.