عاجل

رحلة عبر الزمن: مبادرة ‘عيون الرحلات’ تكشف كنوز مختارات أدب الرحلة العربية

رحلة عبر الزمن: مبادرة ‘عيون الرحلات’ تكشف كنوز مختارات أدب الرحلة العربية

اكتشاف العوالم عبر عدسة مختارات أدب الرحلة العربية

لطالما كان أدب الرحلة نافذة على العوالم المجهولة، وجسراً يربط بين الثقافات والشعوب عبر العصور. وفي خطوة ثقافية رائدة، أطلقت مبادرة “عيون الرحلات” مشروعاً فريداً يهدف إلى تقريب هذا الكنز الأدبي من القارئ المعاصر، بتقديم مختارات أدب الرحلة العربية التي خطّها عمالقة الرحالة من أقصى الغرب الإسلامي إلى أقصى الشرق. هذه المبادرة ليست مجرد نشر كتب، بل هي دعوة لاستكشاف الذات والآخر، والغوص في عوالم المعرفة التي شكلت فهمنا للتاريخ والجغرافيا.

تستعرض هذه المنتخبات رحلات استثنائية امتدت لأكثر من خمسة قرون، عابرة بلاداً شاسعة من المغرب والأندلس، مروراً بمصر والعراق وتركيا وفارس، وصولاً إلى تخوم أوزبكستان. لقد سجل هؤلاء الرحالة ملاحظاتهم الدقيقة عن الثقافات واللغات والديانات والعلوم وأنماط العيش المتنوعة التي صادفوها، مقدّمين بذلك شهادات حية عن العالم كما كان يُعرف آنذاك. إنها دعوة لاستشراف الماضي بعيون معاصرة، واكتشاف مدى غنى وتنوع هذا الإرث الفكري.

منارة التراث: منهجية اختيار مختارات أدب الرحلة العربية

تولى الأكاديمي والمحقق الموريتاني البارز، مني بونعامة، مهمة اختيار وإعداد هذه الرحلات للنشر، في عمل دؤوب يعكس عمق معرفته وحرصه على التراث. صدرت هذه المجموعة عن معهد الشارقة للتراث، لتؤكد التزام المعهد بالحفاظ على الهوية الثقافية والإنسانية. تتألف المجموعة من عشر رحلات أساسية، يقدم كل كتيب منها تعريفاً شاملاً بالكتاب ومؤلفه، مع إبراز أهم الملاحظات التي يقدمها، ويضم مختارات مكثفة لا تتجاوز المائة صفحة، لتسهيل القراءة والتشجيع عليها.

من بين الجواهر الثمينة التي تضمها هذه المجموعة نجد رحلة ابن بطوطة الطنجي الشهيرة “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”، التي تعد من أروع ما كتب في أدب الرحلة. كما تبرز “رحلة ابن جبير” الأندلسي، وملاحظات ورحلات البيروني الأوزبكي في “تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة”، التي تقدم رؤى عميقة عن حضارة الهند في عصره. لا تكتمل هذه البانوراما دون ذكر أعمال أخرى لا تقل أهمية، منها:

  • “صورة الأرض” لابن حوقل، الذي قدم وصفاً جغرافياً دقيقاً للعالم.
  • “المسالك والممالك” للفارسي الإصطخري، وهو من أهم مصادر الجغرافيا التاريخية.
  • رحلة ابن فضلان، التي وثقت لقاءاته مع الشعوب الإسكندنافية والبلغار.
  • “الأعلاق النفيسة” لابن رُسته، الذي يجمع بين الجغرافيا والتاريخ.
  • “البلدان” لليعقوبي، موسوعة تاريخية وجغرافية قيمة.
  • رحلة ابن الفقيه الهمذاني، التي تعد مرجعاً غنياً بالمعلومات.
  • “المسالك والممالك” لابن خرداذبة، من أوائل الكتب العربية في الجغرافيا الإدارية.

قيمة أدب الرحلة: شهادة على حضارة متفردة

يؤكد تقديم مبادرة “عيون الرحلات” أن كتب الرحلة العربية تعد من أمتع المؤلفات وأكثرها رواجاً، نظراً لما تزخر به من قيمة أدبية وثقافية، وما تحتويه من معلومات غنية عن المكان والإنسان. إنها تعبر عن طريقة قديمة درج عليها الرحالة الذين ارتادوا الآفاق، وخاضوا المجاهل، وجابوا الصحاري والقفار، جيئة وذهاباً، تعرفوا خلالها على الثقافات وحياة أهلها. إنها وسيلة لا مثيل لها في استكشاف العالم، والتعرف إلى مكنونه وخباياه.

تضيف المبادرة أن محاولة استكشاف الذات من خلال استكشاف المكان والآخر، والتعبير عما يدور في خلجات النفس من آلام وآمال وطموح، يمتزج بطابع من التشويق في العرض والتصوير. وهذا ما يضفي على رحلة العالم قيمة خاصة؛ فالمشاهد التي يصورها عن محطاته، والصور التي يرسمها في مخيلة القارئ، والتي تحيله إلى الأماكن وطبيعة المجتمع المَزور، واكتشاف المخبوء، والمجهول، والمنسي من العالم، يعد رصداً بالغ الأهمية.

صرح مني بونعامة، المنتخِب والمسؤول عن المشروع، بأن الهدف الرئيسي من نشر هذه المنتخبات العشرة يكمن في تقريب نصوص التراث العربي من القارئ المعاصر، من خلال اختيار ما يتوافق منها مع عصره. وهذا يندرج ضمن “مشروع إحيائي” لذخائر المكتوبات باللغة العربية من مختلف أنحاء العالم. من جانبه، أشار عبد العزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، إلى أن هذه الإصدارات “ليست مجرد أوراق مكتوبة، بل هي مشروع فكري يسعى إلى حماية التراث الثقافي ونقله إلى الأجيال المقبلة”، في إطار التزام عميق بالحفاظ على الهوية الثقافية والإنسانية.

في الختام، تمثل مبادرة “عيون الرحلات” إضافة نوعية للمكتبة العربية، ودعوة متجددة لاستكشاف غنى أدب الرحلة وأهميته في تشكيل الوعي البشري. إنها فرصة لا تقدر بثمن لكل من يبحث عن المعرفة والمتعة في آن واحد. لمزيد من الأخبار الثقافية والتحليلات العميقة، زوروا موقع الجريدة نت، الموقع الإخباري الأول في المغرب.

التعليقات (0)

اترك تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.