شهد عام 2024 سلسلة من الحركات الشعبية والاحتجاجات التي تركت بصمة واضحة على الساحة العالمية، إذ كان عامًا محوريًا على مستوى العالم، ما جعله يوصف بـ”عام الاحتجاجات”، ورغم تعدد أسباب هذه الاحتجاجات فإن القاسم المشترك هو تزايد الاستياء الشعبي من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمناخية.
أبرز 10 احتجاجات شعبية في العالم خلال 2024.
طلاب أمريكا ينتصرون لغزة
في أبريل 2024، اندلعت احتجاجات طلابية واسعة النطاق في العديد من الجامعات الأمريكية، تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إذ استعاد الطلاب تكتيكات من ستينيات القرن الماضي، مثل الاعتصام داخل الحرم الجامعي ورفع شعارات مناهضة للحرب، ما أعاد إلى الأذهان موجة المظاهرات العارمة التي شهدتها الولايات المتحدة خلال تلك الفترة.
ورفع الطلاب شعارات مناهضة للحرب وطالبوا بوقف الدعم العسكري الأمريكي الممنوح لإسرائيل، معتبرين أن هذا الدعم يفاقم من معاناة الفلسطينيين، ونظموا مسيرات في مختلف الولايات، رافعين شعارات تدعو إلى السلام والعدالة، إذ تم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة للترويج للاحتجاجات، ما ساعد في انتشارها على المستوى الوطني.
وقوبلت تلك الاحتجاجات بردود أفعال متباينة، حيث دعمت بعض الشخصيات السياسية مطالب الطلاب، بينما رفض آخرون مواقفهم، خاصة المتعلقة بالسياسة الخارجية، فيما تعاملت بعض إدارات الجامعات مع الاحتجاجات بشكل إيجابي، حيث فتحت قنوات للحوار مع الطلاب، بينما لجأت جامعات أخرى إلى استخدام القوة أو الإجراءات التأديبية لاحتواء الاحتجاجات.
وانقسم الرأي العام في الولايات المتحدة الأمريكية بين داعم للاحتجاجات ومتعاطف مع قضايا الطلاب، وبين معارض يرى أن بعض المطالب غير واقعية، غير أنها أعادت تسليط الضوء على الدور الذي يمكن أن تلعبه الجامعات كمنابر للتغيير الاجتماعي والسياسي.
احتجاجات فرنسا
في ماي 2024، شهدت فرنسا موجة من الاحتجاجات الطلابية والاجتماعية، بدأت في باريس بمظالم طلابية في جامعة السوربون، وسرعان ما تحولت إلى انتفاضة اجتماعية واسعة النطاق، إذ انضم إليها الأساتذة والنقابات العمالية إلى الطلاب في إضراب عام استمر 24 ساعة، ما أدى إلى شلل شبه تام في عموم البلاد.
وتعددت أسباب الاحتجاجات، إذ اندلعت على وقع ارتفاع تكاليف المعيشة والتضخم المستمر للمطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية، كما أثارت سياسات الحكومة المتعلقة بإصلاح نظام التقاعد، غضب العمال والنقابات العمالية، خاصة مع رفع سن التقاعد.
وشهدت جامعات كبرى مثل جامعة السوربون، هذه الاحتجاجات بسبب ارتفاع تكاليف التعليم وضعف الدعم المالي، وانتشار الشعور بالإقصاء والبطالة بين الشباب، خاصة في المناطق المحرومة، إضافة إلى تزايد الإحساس بعدم المساواة بين المناطق الريفية والحضرية وغيرها.
وشاركت النقابات العمالية بشكل كبير في تنظيم إضرابات شملت قطاعات النقل والتعليم والخدمات العامة، ما أدى إلى شلل شبه كامل في البلاد في بعض الأحيان، كما احتشد مئات الآلاف في شوارع باريس ومدن أخرى مثل ليون ومرسيليا، مطالبين بتغيير السياسات الحالية.
وعلى صعيد موازٍ، شهدت الجامعات والمدارس الثانوية مظاهرات طلابية واسعة، رافقها اعتصامات داخل الأحرم الجامعية، بينما حافظت معظم الاحتجاجات على طابعها السلمي، وشهدت بعض المناطق اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن، خاصة في العاصمة باريس.
وحاولت الحكومة التخفيف من حدة الاحتجاجات من خلال فتح قنوات للحوار مع النقابات والمنظمات الطلابية، لكنها تمسكت بعدة إصلاحات، مثل قانون التقاعد، فيما سلط الإعلام الفرنسي والدولي الضوء على الاحتجاجات، ما ساهم في خلق تضامن شعبي داخل فرنسا وخارجها.
أزمة الانتخابات في باكستان
قبيل إجراء الانتخابات الباكستانية في فبراير 2024، شهدت البلاد تحركات شعبية واحتجاجات نظمتها الأحزاب السياسية الرئيسية، للمطالبة بإصلاحات انتخابية وضمان نزاهة العملية الانتخابية، وعقب ظهور النتائج اندلعت احتجاجات واسعة النطاق قادها أنصار رئيس الوزراء السابق عمران خان، زعيم حزب حركة الإنصاف الباكستانية، اعتراضًا على نتائج الانتخابات العامة.
واتهم المحتجون الحكومة “بتزوير الانتخابات”، إذ جرت مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والشرطة في مدن عدة، أبرزها روالبندي، حيث استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين، واعتقال العشرات من أنصار خان.
وتزامنت هذه الاحتجاجات مع دعوات من عمران خان، الذي كان مسجونًا آنذاك، لأنصاره بالاستمرار في التظاهر حتى تحقيق مطالبهم، كما شاركت زوجته بشرى بيبي، لأول مرة في التجمعات السياسية، حيث خاطبت المحتجين مؤكدة ضرورة الصمود حتى الإفراج عن خان.
وردًا على الاحتجاجات، شددت السلطات الباكستانية الإجراءات الأمنية في العاصمة إسلام أباد، حيث أغلقت الطرق الرئيسية باستخدام حاويات الشحن ونشرت أعدادًا كبيرة من قوات الأمن لمنع وصول المتظاهرين إلى المنطقة الحمراء، التي تضم مباني حكومية مهمة.
واستمرت الاحتجاجات لعدة أيام، ما عطَّل الحياة اليومية في بعض المدن الباكستانية، قبل أن يعلن قادة حزب حركة الإنصاف عن تعليق مؤقت للاحتجاجات لإعادة تقييم استراتيجيتهم.
مطالب بإنهاء الحرب في السودان
في عام 2024، شهد السودان احتجاجات شعبية واسعة النطاق نتيجة لتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية، واستمرار الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، حيث اندلعت هذه الاحتجاجات في عدة مدن، للمطالبة بإنهاء الحرب وتحقيق الاستقرار.
في نوفمبر 2024، دعا “التيار الثوري” جموع السودانيين إلى تنظيم احتجاجات ضد الحرب ورفض تشكيل حكومة انتقالية لا تلبي تطلعات الشعب، مؤكدًا ضرورة وقف النزاع وجرائم الحرب، وجاء ذلك بالتزامن مع تصاعد العنف ضد المدنيين في ولاية الجزيرة، حيث سُجلت حوادث عنف سياسي عديدة بين 5 أكتوبر و8 نوفمبر 2024، ما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا.
وفي ظل تصاعد الاحتجاجات الشعبية، وسعت السلطات السودانية الصلاحيات الأمنية لقمع المظاهرات، ما أثار انتقادات واسعة من قبل منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي.
واستمرت الاحتجاجات الشعبية في السودان طوال عام 2024، مع تصاعد الضغوط الدولية من أجل عودة المدنيين إلى السلطة وتحقيق الاستقرار في البلاد.
في ظل هذه التطورات، يظل الوضع في السودان معقدًا، حيث تتواصل الجهود المحلية والدولية لإيجاد حلول سلمية تنهي الصراع وتلبي تطلعات الشعب السوداني في الحرية والعدالة.
احتجاجات الجزائر
في عام 2024، شهدت الجزائر سلسلة من الاحتجاجات الشعبية التي تنوعت في أسبابها ومطالبها، وتفاوتت في حدتها وانتشارها، ففي يونيو نظمت احتجاجات في ولاية تيارت (300 كلم غرب العاصمة) بسبب نقص حاد في مياه الشرب.
وقبل إجراء الانتخابات الرئاسية في سبتمبر، شهدت البلاد اعتقالات لنشطاء سياسيين ومدافعين عن حقوق الإنسان، واستخدام تهم “الإرهاب” المزعومة لإسكات الأصوات المعارضة، كما تم إدخال تعديلات قانونية مثيرة للقلق، أبرزها التعديلات على قانون العقوبات في أبريل 2024، التي زادت من تقييد الحريات في البلاد.
وفي سبتمبر، أُجريت الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس عبدالمجيد تبون بولاية ثانية، أعقبها اندلاع احتجاجات شعبية بسبب التشكيك في نزاهتها، واصفين إياها بـ”المهزلة”، ما أدى إلى مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن.
وفي أكتوبر، نظم طلاب كليات الطب احتجاجات استمرت لأسبوعين، مطالبين بزيادة فرص التوظيف المتاحة لخريجي التخصصات الطبية، إذ انتقلت التظاهرات من الحرم الجامعي إلى الشوارع، ما أثار جدلاً واسعًا حول سياسات التوظيف في القطاع الصحي بالجزائر.
وتُظهر هذه الأحداث استمرار التوترات الاجتماعية والسياسية في الجزائر خلال عام 2024، مع تزايد الضغوط الشعبية للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية وتوسيع الحريات المدنية، في مواجهة استجابة حكومية تتسم بالتضييق الأمني والتشريعي.
العنف الجنسي في الهند
شهدت الهند خلال عام 2024 سلسلة من الاحتجاجات المتنوعة التي تعكس التوترات الاجتماعية والسياسية في البلاد، أبرزها التي اندلعت ضد العنف الجنسي على وقع اغتصاب وقتل طبيبة متدربة في مستشفى بكولكاتا، ما أثار موجة غضب واسعة في الهند، حيث طالب المحتجون بالعدالة وحماية النساء.
وفي سبتمبر، شهدت مناطق في هيماشال براديش احتجاجات من قبل مجموعات هندوسية ضد بناء المساجد، ما أدى إلى إغلاق المتاجر وتصاعد التوترات الدينية في هذه المناطق استمرت لعدة أسابيع.
وفي نوفمبر، نظم آلاف المزارعين مسيرة نحو العاصمة دلهي، مطالبين بتحسين أوضاعهم، غير أن الشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع لمنع تقدمهم، ما حول دلهي إلى ما يشبه الحصن المغلق، وسط حالة غضب واسعة جراء عنف الأجهزة الأمنية.
وفي الشهر ذاته، شهدت ولاية مانيبور احتجاجات عنيفة على خلفية نزاعات عرقية، حيث تم اعتقال 23 شخصًا بعد نهب وإحراق منازل مسؤولين، إذ جاءت هذه الأحداث في سياق توترات مستمرة منذ مايو 2023 بين طائفتي ميتي وكوكي.
وعكست هذه الاحتجاجات التحديات المتعددة التي تواجهها الهند، بدءًا من قضايا العنف ضد المرأة والتوترات الدينية، وصولًا إلى المشكلات الزراعية والنزاعات العرقية، مما يشير إلى الحاجة إلى معالجة شاملة لهذه القضايا لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
إصلاحات في المكسيك
وشهدت المكسيك عدة احتجاجات شعبية نظمتها المعارضة، اعتراضًا على سياسات الحكومة والمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية، أبرزها عندما اقتحم متظاهرون بوابة القصر الرئاسي في العاصمة مكسيكو سيتي خلال احتجاجات تطالب بالعدالة للطلاب الـ43 المفقودين منذ عام 2014.
وفي مايو، نظم طلاب وناشطون مؤيدون للفلسطينيين اعتصامًا أمام “جامعة المكسيك الوطنية المستقلة”، أكبر جامعة في البلاد، مطالبين الحكومة المكسيكية بقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل، وذلك تضامنًا مع الفلسطينيين في غزة، وأضرم متظاهرون النار في محيط السفارة الإسرائيلية في مكسيكو سيتي، تنديدًا بالعمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة وحرق مخيمات النازحين.
وفي سبتمبر، اقتحم متظاهرون مبنى مجلس الشيوخ المكسيكي احتجاجًا على مناقشة إصلاح دستوري يقضي بانتخاب القضاة عبر التصويت الشعبي، رغم الاحتجاجات أقر المجلس القانون، ما أثار جدلاً واسعًا حول تأثيره على استقلالية القضاء.
وتعكس هذه الاحتجاجات تنوع القضايا التي حركت الشارع المكسيكي في عام 2024، بدءًا من المطالبة بالعدالة في قضايا داخلية وصولاً إلى التضامن مع قضايا دولية.
مطالب إصلاحية بجنوب إفريقيا
ونظمت حركات المعارضة في جنوب إفريقيا احتجاجات للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية، وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، أبرزها محاولات المعارضة لإحياء إجراءات عزل الرئيس، حيث رفع حزب “المناضلون من أجل الحرية الاقتصادية” قضية إلى المحكمة العليا في جنوب إفريقيا، في محاولة لإحياء إجراءات عزل الرئيس سيريل رامافوزا.
وفي نوفمبر، أغلقت جنوب إفريقيا معبرها الحدودي الرئيسي مع موزمبيق، ميناء ليبومبو، مؤقتًا بسبب المخاوف الأمنية الناتجة عن تصاعد الاحتجاجات العنيفة في موزمبيق ضد نتائج الانتخابات، والتي أدت إلى سقوط قتلى وجرحى، ما دفع السلطات الجنوب إفريقية إلى اتخاذ إجراءات احترازية لحماية حدودها.
دعوات للديمقراطية في السنغال
شهدت السنغال في عام 2024 احتجاجات شعبية نظمتها المعارضة، اعتراضًا على سياسات الحكومة والمطالبة بإصلاحات ديمقراطية، أبرزها عندما أعلن الرئيس ماكي سال تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 25 فبراير، ما أثار موجة من الاحتجاجات في أنحاء البلاد، إذ فرقت قوات الأمن المتظاهرين باستخدام الغاز المسيل للدموع، واعتُقلت شخصيات معارضة بارزة، من بينها المرشحة أنتا بابكر نجوم.
واندلعت اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن في مدينة سانت لويس شمال البلاد، احتجاجًا على تأجيل الانتخابات، ما أسفر عن مقتل 3 أفراد وإصابة المئات، الأمر الذي يظهر حجم التوترات السياسية والاجتماعية التي شهدتها السنغال في عام 2024، خاصة في ما يتعلق بتأجيل الانتخابات الرئاسية وتأثير ذلك على الاستقرار الداخلي.
احتجاجات في روسيا
شهدت روسيا الاتحادية احتجاجات شعبية واسعة على مدى عدة أشهر، كان أبرزها احتجاجات المعارضة خلال الانتخابات الرئاسية في مارس 2024، حيث نظّم معارضو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين احتجاجات غاضبة اعتراضا على سياسات النظام الروسي متحدّين تحذيرات السلطات.
وفي أكتوبر، اندلعت احتجاجات في روسيا اعتراضًا على خطط الحكومة لزيادة عدد الجيش إلى 1.5 مليون جندي، إذ عبّر المتظاهرون عن رفضهم للتعبئة العسكرية الإلزامية والتوسع في العمليات العسكرية في أوكرانيا، لا سيما أنها مستمرة منذ فبراير 2022.
وفي نوفمبر، نظّم حوالي ألف من أنصار المعارضة الروسية في المنفى مسيرة في برلين ضد الحرب في أوكرانيا والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بهدف التعبير عن رفضهم للسياسات الروسية الحالية والمطالبة بإنهاء الصراع في أوكرانيا.
وأظهرت هذه الاحتجاجات تنامي المعارضة الداخلية والخارجية لسياسات الحكومة الروسية في عام 2024، خاصة في ما يتعلق بالتعبئة العسكرية والتدخلات الخارجية.