كثيرا ما يوقفني شبان صغار في أماكن عامة مكتظة بالناس لتعريفي بجمعياتهم التي ينتمون إليها ويحثونني على الانتماء اودعمها بمبلغ صغير كي تستمر في العمل، هذه الجمعيات ذات أهداف إنسانية او ثقافية اواجتماعية، يستطيع أي شخص ان يكون عضوا فيها مجانا او دفع مبلغ زهيد من المال.
تحتل الجمعيات مكانة مهمة في المجتمع الفرنسي، وبحسب الاحصائيات الحديثة هنالك 1,3 مليون متطوع فيها وفي مختلف مجالات الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. أما كيفية التعرف على هذه الجمعيات، فهذا من شأن البلديات التي تقيم في شهر أيلول من كل عام منصات لجميع الجمعيات المتواجدة في البلدة للتعريف بها واعلام الناس باهميتها أو من خلال المتطوعين الذين يخرجون الى الشوارع كي يعرفوا الناس اليها.
وعدد الجمعيات في تزايد مستمر في كل سنة وهي غالبا ما تركز على خمسة مجالات : الرياضة بنسبة (24٪) الثقافة بنسبة (19٪) ، الترفيه والحياة الاجتماعية بنسبة (18٪)، الانسانية بنسبة (16٪) والعمل الصحي والاجتماعي بنسبة (11٪). فالامرلا يقتصرعلى البلدات الصغيرة فقط ، فكل مرفق من مرافق الحياة المدنية له جمعياته الخاصة . فالجامعة تحتضن العديد منها للطلاب والأساتذة، وكل شركة كبيرة لها جمعياتها، والبلدات الصغيرة التي تحاول لم شمل سكانها وخلق حياة اجتماعية هادفة لها جمعياتها الخاصة ايضا، وهناك الجمعيات الدينية التي تستقطب أناسا من دين او معتقد واحد وكذلك جمعية حقوق الحيوان لبريجيت باردو الفنانة التي سحرت العالم بجمالها في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
يعود العدد الهائل للجمعيات الى سهولة الحصول على رخصة لتشكيلها حسب قانون عام 1901، إذ يمكن ان يتفق شخصان على انشاء جمعية لها هدف معين، يستطيعان تقديم طلب الى المحافظة التي لاتمانع في منح الموافقة لهما إلا اذا وجدت ان اهدافها مخلة بالأمن العام أو تتنافى مع قيم الجمهورية كالعلمانية.. وما ان تحصل الجمعية على الموافقة حتى يصبح لها كيان قانوني. أما عن مسألة تمويلها، فهي غالبا ما تحصل على دعم من الدولة (وهذا حال ثلث الجمعيات كون الدولة تؤكد وتشجع العلاقات الاجتماعية بين الناس) أومن جهات اخرى وهذا يعتمد على أهميتها . فالجمعيات التي لها اهداف مثل مكافحة مرض ما تعتبر مفيدة للمجتمع باسره، وان اعتراف الدولة بهذه الجمعيات كجمعية ذات غرض عام يسمح لها بتلقي التبرعات والوصايا، ومع ذلك فهي تخضع لرقابة إدارية صارمة. أو قد تمول الجمعية من مساعدات مالية من قبل أعضائها المنتمين اليها.
فبعض الجمعيات يمكن ان تصبح مهمة جدا لدرجة ان الدولة قد تستشيرها في أمورمعينة ، وقد تصبح أيضا مجسدة بل وممثلة للدولة في قضية ما. اما التطوع للعمل فيها، فهو امر يمس كل فرنسي، بل ويشعره بالمسؤولية تجاه بلده ويحاول ان يقدم خدمة له بشكل او بآخر. من الجمعيات التي تعرفت إليها، جمعية الحقوقيين الذين يقومون بتقديم خدماتهم الاستشارية مجانا وفي يوم واحد من الأسبوع للناس ، وهو أمر مهم في مجتمع أصبحت الاستشارة القانونية تكلف ثروة صغيرة.وجمعية للمتقاعدين الذين لديهم مقر خاص يستقبلون فيه الطلاب الأجانب الذين يعانون من صعوبة في اللغة الفرنسية، فهم يقومون بتعليمهم وتصحيح اطاريحهم من الأخطاء القواعدية، وهذا العمل يسرهم ويفرح الطلاب أيضا في وقت اصبح تصحيح صفحة واحدة من البحوث والاطاريح مكلفا جدا. وجمعية الطلاب الذين يذهبون الى دولة “مالي” سنويا لتعليم الاطفال كيفية استعمال الكومبيوتر.
ومهما كان دورهذه الجمعيات فهي تعتبرواحدة من أركان الحياة الديمقراطية والاجتماعية والثقافية، في أرض تعتبرمهدا للديمقراطية ومشاركة المواطن فيها تلعب دورا أساسيا في التجديد والابتكار الاجتماعي. وهي المكان الذي يجمع الجهود الفردية ضمن اطارأكبر، والجمعيات مهما كان حجمها صغيرا او كبيرا فهي تعطي معنى للحياة لاناس يسخرون وقتهم وطاقتهم دون مقابل من أجل قضية يؤمنون بها، فطبيعة المشاركة التي تتسم بها هي من احدى مقومات العلاقات الاجتماعية المهمة التي لا تعد ولا تقاس.
بعض الجمعيات قد تعتبر أحيانا اوطانا لاشخاص لم يستطيعوا العثور على ما كانوا ينتظرونه من الخدمات العامة، لذا فهم يلجأون اليها كي تلبي رغباتهم مهما كان نوعها من علاقات اجتماعية اوالتعلم اوالمتعة النفسية..الخ كما تلعب دورا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لدرجة انها في بعض الأحيان تقوم بتعيين أشخاص وتوفر راتبا لهم وتتميز عن الشركات بانها لاتؤسس على أساس الربح ..
نظام الجمعيات هو نظام يحاول المجتمع الفرنسي الإبقاء عليه على الرغم من الوضع المتأزم للاقتصاد كونها تحاول ان تخلق املا في مجتمع بدأ يتمزق شيئا فشيئا نتيجة البطالة وازدياد الضرائب، بل يعتبرنظام الجمعيات امرا معنويا يحاول الناس التمسك به مهما تعاقبت الأنظمة وتغير الزمن .