عاجل

وهبي يكشف عن التحديات الجوهرية التي تواجه إصلاح المنظومة القضائية ومكافحة الفساد بالمغرب

وهبي يكشف عن التحديات الجوهرية التي تواجه إصلاح المنظومة القضائية ومكافحة الفساد بالمغرب

في قلب النقاشات البرلمانية المتوترة، ألقى وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، الضوء على جملة من المعيقات التي تعترض مسار الإصلاح القانوني والقضائي في المغرب. مداخلته أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات بمجلس النواب، والتي جاءت في سياق مناقشة الميزانية الفرعية لوزارته والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، لم تكن مجرد عرض تقني، بل كانت اعترافاً صريحاً بوجود تحديات إصلاح المنظومة القضائية ومكافحة الفساد، مؤكداً أن بطء الممارسة السياسية وتعدد مراكز القرار يثيران اليأس ويعرقلان طموحات التغيير.

بطء التشريع: عائق أمام التقدم القضائي

عبّر الوزير وهبي عن تذمره الشديد من الوتيرة البطيئة التي تسير بها العملية التشريعية. وأشار إلى أن عدداً من النصوص القانونية الحيوية، مثل مشروع القانون الجنائي ومقتضيات تنفيذ العقوبات البديلة، لا تزال حبيسة النقاشات والخلافات، مما يعطل تفعيلها ويحد من فعاليتها. هذه الخلافات، التي وصفها بـ’المتعددة’، وصلت أحياناً إلى مستوى حاد داخل الأغلبية الحكومية، مما دفعه إلى التفكير في الاستقالة، في إشارة إلى عمق الإحباط الذي يعيشه بسبب العراقيل البيروقراطية والسياسية.

على سبيل المثال، تناول وهبي قضية العقوبات البديلة، كالسوار الإلكتروني، مبيناً أن الخلاف حول الجهة المنوط بها تنفيذ هذه العقوبات قد أخر تطبيقها. ورغم أن الدولة أسندت المهمة في النهاية للمندوبية العامة لإدارة السجون، إلا أن هذا المسار الطويل يعكس التعقيدات التي تواجه أي مبادرة إصلاحية. وأكد الوزير أن ‘الوزير لا يحكم بمفرده’، وأن النصوص القانونية تتنقل بين عدة مؤسسات ووزراء، لتستغرق وقتاً طويلاً يتجاوز أحياناً مدة الولاية الحكومية الواحدة، مما يجعل تحقيق التراكمات الإيجابية أمراً صعباً ومحبطاً.

مقترحات معلقة: تدبير المحجوزات كنموذج

لم يكتفِ وهبي بسرد المشاكل، بل قدم أمثلة ملموسة عن المقترحات الإصلاحية التي قوبلت بالرفض أو التأخير. ففي معرض حديثه عن فشل تدبير المحجوزات بالمحاكم والخسائر المالية الكبيرة التي تنتج عن ذلك، كشف عن اقتراحه إنشاء وكالة خاصة لتدبير وبيع هذه المحجوزات، على غرار تجارب دولية ناجحة. هذا المقترح، الذي تشبث به لثلاث سنوات، قوبل بالرفض، مما يعكس مقاومة التغيير داخل المنظومة الإدارية والسياسية.

وفي سياق متصل، أشار الوزير إلى عمله حالياً على مشروع الوكالة الوطنية للمساعدة القانونية للفئات الهشة، والتي تهدف إلى تيسير ولوج هذه الفئات إلى العدالة. هذا المشروع، إن تم إقراره، سيمثل خطوة مهمة نحو تعزيز العدالة الاجتماعية، لكنه يظل أيضاً رهيناً لوتيرة التشريع البطيئة والتوافقات الحكومية الصعبة.

تجدون المزيد من التحليلات حول قضايا العدالة بالمغرب في موقع الجريدة نت، الموقع الإخباري الأول في المغرب.

فلسفة الحكم وتحدي الاستمرارية

بلهجة تحمل مزيجاً من اليأس والسخرية، وصف وهبي وضع الوزير بـ’اليتيم في مأدبة اللئام’، مشيراً إلى أن الحماس الأولي للتغيير يصطدم ببيروقراطية الموظفين ومقاومة المؤسسات. وتساؤل الوزير: ‘هناك قوانين وصلت عند الحكومة لكن لم تتم إحالتها، فماذا ستفعل؟ تنتحر؟’ يعكس حجم الصعوبات التي تواجه صناع القرار الذين يجدون أنفسهم مقيدين بمسارات طويلة ومعقدة. إن هذه الممارسة السياسية البطيئة، كما يصفها، ‘تقتل أعصابك وتُصيبك باليأس وتجعلك تفكر بالرحيل’.

كما استند وهبي إلى مبدأ ‘استمرارية الدولة’ ليشرح سبب طول المسار التشريعي، مبيناً أن التراكمات الإدارية والسياسية تجعل النصوص تتنقل بين الوزراء والعديد من المؤسسات، لتشهد مساراً طويلاً من النقاشات يتجاوز حدود زمن الولاية الحكومية إلى أن تنضج وتُعتمد. هذا المبدأ، رغم أهميته في ضمان الاستقرار، يصبح عقبة أمام الإصلاحات العاجلة عندما يقترن ببطء الإجراءات.

مكافحة الفساد: من الشعارات إلى الآليات المؤسساتية

في موضوع مكافحة الفساد، وهو أحد أبرز تحديات إصلاح المنظومة القضائية، اتخذ الوزير وهبي موقفاً واضحاً ومنطقياً، رافضاً الصيغة الحالية لمشروع قانون الإثراء غير المشروع. لم يكن رفضه نابعاً من التراخي في محاربة الفساد، بل من قناعته بضرورة حماية الموظف العام من الشكايات الكيدية والاتهامات غير المدعومة بأدلة قوية.

وشدد وهبي على أن ‘محاربة الفساد لا تكون شفهياً’، بل تتطلب عملاً مؤسساتياً جاداً وآليات دقيقة للتحري والمساءلة. وأوضح أن إطلاق الاتهامات العامة يسيء لصورة المرفق القضائي والموظفين، دون أن يقدم حلاً حقيقياً. وأشار إلى أن الأبحاث القضائية الطويلة قد تبرئ العديد من المتهمين بعد سنوات، مما يؤكد على ضرورة ضبط النصوص القانونية والمساطر قبل رفع شعارات محاربة الفساد. فالاصل في الناس هو نظافة السيرة، والاتهام يجب أن يستند إلى أدلة دامغة لا إلى مجرد شكايات غير موقّعة أو انطباعات عامة. لمزيد من المعلومات حول مفهوم الفساد، يمكنكم زيارة صفحة الفساد على ويكيبيديا.

خلاصة: دعوة إلى الإرادة السياسية الفاعلة

تُظهر تصريحات الوزير وهبي صورة معقدة لمسار الإصلاح في المغرب، حيث تتداخل الإرادة السياسية مع عراقيل بيروقراطية وتشريعية عميقة. إن التغلب على تحديات إصلاح المنظومة القضائية ومكافحة الفساد يتطلب أكثر من مجرد تصريحات أو شعارات؛ إنه يستدعي إرادة سياسية قوية ومتماسكة، قادرة على تبني الإصلاحات الجريئة وتجاوز المعيقات البنيوية، لضمان عدالة ناجعة وفعالة تخدم المواطن وتصون حقوقه. لا شك أن هذه المعركة تتطلب نفساً طويلاً وتعاوناً بين مختلف الفرقاء، بعيداً عن الصراعات الهامشية التي تزيد من الإحباط وتعمق اليأس.

التعليقات (0)

اترك تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.