*كتب:المحامي محمد احمد الروسان*
*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية*
يقول الرئيس الفرنسي الأشتراكي فرانسوا هولاند، والذي ساءه بعمق خروج نيكولاي ساركوزي(الملك ساركا)في الأنتخابات التمهيديّة لأحزاب يمين الوسط، وانحسار المنافسة فقط بين فرانسوا فيون وآلان جوبيه كمرشحين ليمين الوسط الفرنسي في الأنتخابات الرئاسية القادمة في ربيع 2017 م القادم(الجولة الثانية تجرى اليوم وحظوظ فرانسوا فيون أقوى من جوبيه): انّ فرنسا تتعرض لموجات ارهاب غير مسبوقة في تاريخها، ويتجنب هذا الهولاند الرئيس ومعه جوقته من مدير مخابراته الخارجية برنارد باجوليه(كان سفيراً لبلاده هنا في عاصمة ملك مولاي السعيد عمّان)بجانب مدير المخابرات الفرنسي الداخلي، تجنبوا جميعاً ذكر الأسباب الحقيقية لهذه النتيجة الكارثية على الشعب الفرنسي ومؤسساته الدستورية، ذاكراً أسباب سطحية شكلية لا تقنع المشرّدين الفرنسيين في حارات باريس البارده، حتّى لا يتحمّل وحزبه المسؤوليات القانونية والأخلاقية لسياسات التحاقه بالأمريكي.
اذاً الأشتراكي الفرنسي الحاكم عبر هولاند يحصد بمرارة نتيجة سياساته الخارجية، وهذا لا يعني بالمطلق أنّ ما يسمى بزعيمة اليمين الفرنسي المتطرف ماريان لوبان(ترامب فرنسا)ستكون الرئيسة القادمة! ففي فرنسا ملايين سبعة من المسلمين ان لم يكن أكثر، هم جزء أصيل من البنى الأجتماعية الفرنسيّة وعلى مدار عقود وعقود، فالتعددية الدينية والثقافية والعلمانية التي تعتبرها كارتلات الحكم الفرنسي من قيم الجمهورية، لن تسمح وعبر لعبة الديمقراطية والرأي العام(الخدعة)بوصول ماريان لوبان(ترامب فرنسا)، الداعية الى التقوقع والقوقعة ضمن جغرافيّة الدولة الوطنية الأوروبية، وما قبل الأحلاف والأتحادات الدولية والأسواق المشتركة، من الوصول الى سدّة رئاسة الجمهورية الفرنسية، ومن هنا أعتقد أنّ أصوات تجمّع ماريان لوبان(ترامب فرنسا)ستصب في النهاية لصالح فرانسوا فيون المقرّب من فلادمير بوتين وكارتلات الحكم في روسيّا ومفاصل مخابراتها واستخباراتها، بجانب أنّه صديق جيد وخصم نبيل لكل من ايران وسورية.
وعليه، فأنّ جنون منطق الرئيس المنتخب الأمريكي دونالد ترامب في الداخل الأمريكي المحتقن أصلاً وبعد نتيجة العملية السياسية(الخدعة)الأخيرة، لا يتحمّله واقع ومنطق الجمهورية الفرنسيّة وقيمها التي قامت عليها، فلا فرص أمام ماريان لوبان(ترامب فرنسا)للوصول الى سدّة الرئاسة الفرنسية.
الأوروبي زرع الريح فحصد العاصفة فبال على نفسه، أي أحدث بولاً من وجل شديد وعظيم وخطير، وضمن منحنيات وحالات التبول اللارادي، وبعيداً عن لازمة التضامن بشكل عام مع أي دولة وساحة في العالم يلعب الأرهاب بها وفيها، وبشكل خاص في ساحات القارة الأوروبية العجوز(مرشّحة لمزيد من العمليات الأرهابية وحسب ما يتوفر من معلومات ومعطيات، وتقاطع بنك المعلومات هذا مع معلومات أخرى)والتي تمر ساحاتها وحاراتها بحالات من مخاض عسير، بسبب سياسات نخبها وكارتلات حكمها السياسية والأقتصادية والعسكرية والأستخباراتية.
بروكسل عاصمة الأتحاد الأوروبي ووجه الناتو المدني، وعاصمة حلف الشمال الأطلسي العسكري الوجه العسكري الأستخباراتي لأوروبا، عانت من الأرهاب خلال السنتين الماضيتين، الأرهاب المدان وبكل اللغات والذي له ما بعده، فانّ ما جرى وسيجري في قلب أوروبا وقبلها فرنسا(الداخلية الفرنسية قبل أيام تفكك خلية لداعش، وحسب المخابرات الفرنسية الداخلية)، حيث انطلق الأرهابيون الذين هاجموا باريس في السابق وبما فيهم أعضاء الخلية الداعشية المفككة من ساحات جارتها الأوروبية بفعل دفع تركيا للمهاجرين للذهاب الى أوروبا ضمن سياسات تركية مدروسة(الرئيس التركي يرد على وقف أوروبا المفاوضات مع تركيا لغايات الأنضمام للأتحاد الأوروبي باعادة انتاجات لهجرة المهاجرين من جديد نحوها). ببساطة طالما السلبية المفعمة بالحقد الأوروبي الدفين مستمرة ازاء المسألة السورية والمسألة العراقية والمسألة الليبية، فانّ بروكسل تهاجم بروكسل بمعنى آخر، وهؤلاء الأرهابيون(سابقاً وحالياً ولاحقاً)هم من مواليد الساحات الأوروبية والنشأة هناك كغيرهم من سلفي أوروبا، وهما نتاجات المجتمعات الأوروبية، وليس المغربية أو التونسية أو الجزائرية أو الموريتانية أو الليبية، أو أي مجتمع عربي آخر.
أوروبا عاجزة عن حفظ أمنها الداخلي وهي ملحقة بواشنطن حيث سياساتها الخارجية والدفاعية تتكأ على واشنطن(متوقع لها الأستمرار في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترامب)، وقد فتح بنك حسابها منذ ثلاث سنوات ونصف من الآن، بفعل رؤية البلدربيرغ الأمريكي، وعليها أن تدفع فواتير اللجوء الكثيف والأرهاب العابر للقارات، فهل تقود العمليات الأرهابية على مدار السنتين الماضيتين بروكسل وباريس خاصةً اذا نجح فرانسوا فيون كمرشح يمين وسط في انتخابات الرئاسة الفرنسية القادمة، في الأتجاه أكثر وأكثر نحو فكرة التعاون مع ايران والجيش السوري والرئيس الأسد وحزب الله ومع روسيّا؟ فاذا ما أرادت أوروبا مكافحة الأرهاب فعلاً فثمة ممرات الزامية لها، عبر سورية وحزب الله وايران، خاصةً وأنّ العالم صار يقترب أكثر واكثر من الفكرة الروسيّة القائلة: الأسد ونظامه وايران وحزب الله ليسوا هم الخطر.
الألم والحزن، يذوقه شعبنا السوري وما زال منذ خمس سنوات، ينام معه على وسادة واحدة، ويدخل معه الحمّام، ويشرب قهوة الصباح معه، ويأكل معه، ويدخن سجائره معه، ويحتسي خمره وحشيشه معه، يراه في غرف نومه، في أسرة أطفاله، في حقائب الطلاب والأطفال، ثم يجىء الأجتماع الأمني قبل أيام في تركيا(أمريكي وتركي وسعودي وبعض عرب وغرب آخر، بجانب جبهة النصرة العامود الفقري للبنى التحتيّة للأرهاب في الداخل السوري)ويطلب من صعاليك ما يسمى بجيش الفتح البقاء في حلب الشرقية وأن لا يخرج منها، مع الأستعداد لجولات جديدة من العمليات العسكرية بعد تزويدهم بأسلحة فتّاكة وكاسرة للتوازن عبر الأطراف الثلاث من خلال الحدود التركية وعبر الجو، ويستمر الطرف الثالث بالحدث السوري بالتفاوض مع الأرهابيين من جبهة النصرة وصعاليك جيش الفتح، وأحرار الشام بل أشرارها، وحركة نور الدين زنكي وغيرهم من الزومبيات الأرهابية، ومع باقي رفاقهم من أحفاد لورنس العرب.
ليعلم العالم، أنّ لا ضمان أنّ قنابل هؤلاء الزومبيات والقادمة من مخازن الطرف الثالث بالمسألة السورية، لن تنفجر في عواصمهم، فهم يحتضنون أفعى، قد تلدغهم في أي لحظة، سيفهمون عندما تنفجر عبوات ناسفة في مدنهم ولكن بعد فوات الآوان، وهم لا شك شركاء بالتضامن باطعامها، وبتربية الأفعى وبلدغها وسمّها.
مسكينة أوروبا العجوز، ألان بعد ما جرى ويجري وسيجري بها وفيها من أحداث، وقعت بين الصير والباب، فهي من جهة مجبرة على اللحاق بالسياسة الأمريكية في محاصرة روسيّا وتخريب الوطن العربي(قد تستمر هذه السياسة في عهد الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب)، ومن نتائج ذلك خسائرها الاقتصادية وتدفق اللاجئين عليها كعبىء اقتصاي ومسألة قلق عنصري معا. الآن قد تستجيب لتهديد أردوغان وتعيد التفاوض معه لجلبه كعضو في الأتحاد الأوروبي المرشّح للتفكك من جديد، وقد تكون مضطرة أن تدفع أكثر وأكثر لأردوغان كي لا يسترجع اللاجئين لا، بل كي لا يرسل المزيد منهم اليها. لا شماتة، لكن هذه كفارة تاريخ هائل من الذبح الاستعماري بحقنا كعرب ومسلمين تدفعه أوروبا.
أسباب عديدة قادت إلى ذلك من نتائج، هناك عنصرية في المجتمعات والساحات الأوروبية، ضد المهاجرين وأبنائهم، فآلا يتمكن المسلم الأوروبي من الاندماج بتلقائية في محيطه؟ حتّى صار مفهوم مسلم أوروبي متناقضات أوروبية مجتمعية، وسماح كثير من الساحات الأوروبية ومنذ السبعينيات من القرن الماضي للمال الوهّابي بالعمل بحريّة في مجال الدعوة والتبليغ، حتّى كادت السلفية الوهابية أن تحتكر المراكز الإسلامية والمساجد والتعليم الديني داخل جلّ الساحات في أوروبا وخاصة في فرنسا، فقد وافقت الحكومات الأوروبية المختلفة وكذلك الفرنسية خاصةً على ذلك للعلاقات المميزة مع السعودية من صفقات السلاح المختلفة وعلى مدار عقود، وصولاً إلى الفساد والدفعات المالية التي تلقاها السياسيون الأوربيون والفرنسيون على مدى عقود خلت من دول الخليج النفطية، كل ذلك سمح بتلزيم الإسلام الأوروبي لأخوتنا في السعوديه من دون أدنى اعتراض، وتم سلفنة أحياء كاملة من مدن أوروبا، الأوروبي الذي ينبذه المجتمع صار يبحث عن هويته الإسلامية، وجد نفسه وقد صار سلفياً وهابيّاً، فالشيخ سلفي تدفع الرياض راتبه، والمسجد سلفي، والمحيط صار سلفي، وهذا مذهب لا علاقة له بالإسلام المحلي الذي جاء منه هؤلاء المهاجرون ولا بمجتمعاتهم الأصلية، فهذا هو إسلامهم الأوروبي لا إسلامنا نحن العرب، ما جرى ويجري وسيجري في جلّ الساحات الأوروبية والغربية، مع إدانتنا له بما فيه اللاحق، هو بداية حصادهم لما زرعوه لا منتهاه، فعليهم أن يبحثوا عن مكامن الخلل في سياساتهم وعنصريتهم، ودعمهم للزومبيات الأرهابية المدخلة الى الداخل السوري من جهات الأرض الأربع على مدار ست سنوات عجاف، ليجعلوا من سورية مغناطيساً جاذباً للأرهاب، فما كان الاّ أن انقلب السحر على الساحر، فصارت الساحات الأوروبية ودول الجوار السوري مغناطيساً أشد جذباً للزومبيات المدخلة، ولحواضنها في دواخل المجتمعات.
سؤال ملّح: فهل نحن الآن بصدد حوران داعشيّة على تخوم اقليمنا الشمالي الأردني مثلاً، بعد هيكلة بعض الزومبيات ومنظماتهم من جديد عبر الأسرائيلي، من ما يعرف باسم لواء شهداء اليرموك الى باقي المسميات التي ما أنزل الله بها من سلطان؟ فما يجري في جبهة الجنوب السوري الآن هو حرب الغائية بين الأرهابيين، لا بل هو بمثابة حرب أهلية بين المجموعات الأرهابية من نصرة وجيش يرموك وحركة المثنى والتي تدار من الرياض ولواء شهداء اليرموك والذي بايع الدواعش سرّاً، اننا بصدد تنظيم أخر موازي لداعش يتشكل عبر المبايعات السريّة لكثير من الفصائل المسلّحة الأرهابية(اللهم احفظ سوريتنا الطبيعية ومملكتنا).
انّ السياسات الأوروبية و البربوغندا الوهابية المتعصبة قد شجعتا مئات الشبان الفرنسيين والبلجيكيين و الأوروبيين، للذهاب إلى سوريه و القتال هناك، ولكن من الواضح أن لهذه السياسات نتائجها العكسية، فهل تقرع خدمات الاستخبارات الفرنسية وأوروبية، أبواب دمشق من أجل التأسيس لتعاون أمني مع سوريه(فعلا وقولاً لا أحد يعرف كيف تفكر دمشق).
بلا أدنى شك الهجمات(السابقة وما بعدها من لاحقة)في جلّ الساحات الأوروبية، ستستغل من قبل ما تسمى بالأحزاب اليمينية المتطرفة، و على رأسها حزب(الجبهة الوطنية)في فرنسا مثلاً، من أجل رفع وتيرة حملتهم ضد المهاجرين و خاصة العرب و المسلمين، وهذه الحقيقة تظهر أن مصالح اليمين المتطرف تتقاطع، هذا وتحتاج المجموعتان بعضهما من أجل تحقيق أهدافهما المشتركة المتمثلة في تدمير التعايش السلمي الديني و الاجتماعي في فرنسا وبلجيكيا وجلّ وأوروبا. ولهذا، لا يمكن لأحد استبعاد احتمال أنّ الهجمات في الساحات الأوروبية كانت بتسهيل، و ربما بتحريض، من وكالات و مصالح حتى الإرهابيين أنفسهم لا يدركوها، ألم يقل الرئيس التركي(قبل ثمانية أشهر من الآن تقريباً): أحد منفذي العملية الأرهابية في بروكسل اعتقلته تركيا أثناء عودته من سورية وحققت معه وتم تسليمه للمخابرات البلجيكية، والأخيرة أطلقت سراحه لماذا؟ سؤال برسم الأيجابة، لتجيب عليه المخابرات في بروكسل ومخابرات الناتو نفسه، بل مجتمع المخابرات الأمريكية والأسرائيلية!.
حاليا أوروبا كل أوروبا أمام خيارين، إما أن تحذو حذو الولايات المتحدة بعد هجمات الحادي عشر من أيلول 2001 م، و تنهمك في مرحلة جدية ترمي إلى تقوية موقفها السياسي و الأمني، ما يتطلب تغييرا جذريا في إستراتيجيتها. أو أن تهرب إلى الأمام و تحتفظ بسياستها الخاطئة التي أدت إلى نمو المجموعات الإرهابية و إيديولوجيتهم ليس في سورية و العراق وليبيا فحسب، بل أيضا في أوروبا و أجزاء أخرى في العالم. بلجيكيا تشارك بضرب داعش في سورية والعراق، وقبلها تشارك فرنسا في الضربات الجوية التي يشنها الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة، و لكن وفقا للخبراء فان هذه الهجمات بلا جدوى بدون تعاون استخباراتي عسكري مع حكومات المنطقة و خاصة السوريه. فالجيش السوري اليوم هو القوة الأكثر فاعلية في الحرب ضد الإرهاب في المنطقة، و السياسة الأوروبية وخاصةً الفرنسية المتعجرفة المتمثلة، بعدم التحدث مع دمشق بدأت تنعكس ضد أوروبا وبروكسل وفرنسا نفسها. محاربة الإرهاب تتطلب التزاما أكثر جدية من قبل الدول الغربية وبلجيكيا وفرنسا بشكل خاص، و ينبغي على القادة الأميركيين وخاصةً في الأدارة القادمة والأوروبيين مراجعة مواقفهم و التخلي عن كل الممارسات المشجعة للإرهاب، مثل تدريب و تسليح(الثائرين المعتدلين في سوريه)الذين لا هم معتدلون و لا ثائرون وإنما إرهابيون متعطشون للدماء. وحده الزمن من سيخبرنا إن كانت المذبحة الشنيعة في بروكسل في المطار والمترو وقبلها في تفجيرات باريس و في مجلة شارلي ابدو ستدفع القادة السياسيين و العسكريين الفرنسيين و الغربيين لتغيير سياستهم المتعلقة بمحاربة الإرهاب من أجل تحسين التعاون الإقليمي و الدولي حول هذه القضية، و للحيلوله دون المزيد من الهجمات الشائنة في أوروبا و الشرق الأوسط، والحكومات الأوروبية وأجهزة استخباراتها سعت إلى نشر النزعة الوهابية، هذا وقد استثمرت كل من السعودية و قطر الكثير من الأموال في جلّ الساحات الأوروبية وخاصة في فرنسا، و حققتا نفوذاً لا يمكن إنكاره على السياسة الخارجية الفرنسية، وكل هذه الدول رعت المجموعات الإرهابية السورية. ومن هنا أبدأ فأقول: بين الواجب الأوروبي الأخلاقي وواقع السلوك السياسي والأمني الأوروبي هوّة لا يعرف أحد كيف يمكن ردمها حتّى اللحظة في العالم، ويبقى السؤال الكبير والضخم أمام منظومات الأمن الأوروبية ومجتمعات استخبارات القارة العجوز: هل هناك استراتيجية أوروبية أو بلجيكية أو فرنسية في الشرق الأوسط؟.
الهجمات الإرهابية بشكل عام في ساحات أوروبا وخاصةً في بروكسل وقبلها فرنسا، شكّلت مرحلة تحوّل مفصلية على صعيد العلاقات الدولية، لم تنته تداعياتها بعد، ومآلاتها وعقابيلها وقد طبعتها الخطابات الهوياتيّة، ولا يمكن نفي واقع أن من أول تداعيات الهجوم في بلجيكيا وقبلها باريس إثباته صحة المخاوف من وصول تهديد(الجهاديين)إلى قلب أوروبا، بعد فترة من الحراك الغربي المبهم إزاء انتشارهم في الشرق الأوسط. لكن، في المقابل، فإنّ الاعتداء على بروكسل عاصمة الناتو والأتحاد الأوروبي، لا ينفي أنه يستبطن إشكاليات أوروبية داخلية من المفترض ألا تغيب، اذاً نحن بصدد ثاني نموذج حي لعودة الإرهاب المدخل إلى الداخل السوري إلى موطنه الأصلي حيث يضرب بالنار(النموذج الأول كان في باريس)، انّها الهجرة المعاكسة الآن، وعلى بروكسل وفرنسا أن تنحو نحو معالجات أمنية وسياسية جديّة، وهذا يعني تغيراً جذريّاً في موقفها من مجمل الأزمات في المنطقة أو الاندفاع هروباً نحو الأمام بعيداً عن مصالحها، وهاهي بلجيكيا وباريس مع كل أسف تدفع ثمناً باهظاً لسياساتهما إزاء الشرق الأوسط، إن لجهة ليبيا، وان لجهة سورية، وان لجهة إيران، وان لجهة لبنان، ماذا سيقول وزراء الداخلية الأوروبيون الآن ومعهم رؤساء أجهزة الأستخبارات؟.
هذه الرواية تختصر سريالية جلّ مفاصل التعامل السياسي والأمني الأوروبي، وخصوصا البلجيكي وأخوه الفرنسي، مع قضية الإرهاب، وهي نموذج لنقاش سيتصاعد في أوروبا حول مسؤولية كل بلد في مواجهة الإرهاب العائد سواءً من مالي أو من سورية أو من العراق أو من ليبيا؟.
الحوادث الأرهابية التي جرت في بعض ساحات القارة الأوروبية، ان على بروكسل وقبلها هجمات باريس والهجوم على(شارلي ايبدو)يطرح تساؤلات ضخمه وعميقه والأجوبه عليها أضخم وأعمق منها، سنحاول عبر التساؤل وبقدر الإمكان المحاولة على الأيجابة لتفكيك المركب وتركيب المفكّك فيما جرى وقد يجري وسيجري لاحقاً، والتي وصفت أنّها بمثابة مؤشر على حدوث وقريباً 11 أيلول أوروبي مماثل للأمريكي في وقته.
وماذا عن حركة(الجهاديين)العائدين من سوريا والعراق وليبيا ومالي إلى أوروبا؟ وهل من واجب البلجيكيين والفرنسيين وكل أوروبا التضامن مع مسيحيي سوريا ولبنان والعراق ومجمل الشرق العربي وصولا إلى محاولة نجدتهم عند الضرورة، أم نتصرف معهم على قاعدة أن بروكسل وفرنسا العلمانية، لا تملك نظرة خاصة إلى المسيحيين تميزهم عن غيرهم من أبناء المنطقة؟ إذا كان لا مفر من ممر إلزامي من خلال قرار دولي يصدر عن مجلس الأمن الدولي، خصوصا في ضوء مطالبة العراقيين المتكررة بذلك، فأية دينامية ستتبعها الحكومات الأوروبية للوصول إلى قرار دولي من شأنه، لو صدر، استعادة الشراكة مع الأسرة الدولية، وخصوصا روسيا والصين في مواجهة خطر إرهابي كبير لا يستثني دولة أو شعبا؟
إذا كانت أوروبا وعلى رأسها فرنسا وبلجيكيا، تملك علاقة خاصة مع بعض دول الخليج وخصوصا السعودية وقطر، وثمة استثمارات خليجية في السلاح والاقتصاد الأوروبي بعشرات مليارات الدولارات، كيف يمكن لأوروبا أن تجيّر هذا الرصيد، مع هذه الدول، من أجل أن تنخرط في الحرب ضد الإرهاب بدل ما يحصل من تمويل ودعم لمنظمات إرهابية لا بل لجمعيات تتظلل بعباءة الإسلام في أوروبا، وتحظى بدعم خليجي، بينما كانت تشكل غطاء لتجنيد مجموعات إرهابية إلى سوريا وغيرها؟ ما هي السياسة التي رسمتها أوروبا عبر اتحادها الأوروبي للاستفادة من زخم علاقتها مع تركيا في الاتجاه نفسه؟
ما هي شروط الشراكة الأوروبية الفرنسية والغربية مع روسيا وإيران في الموضوع السوري تحديداً، الا إذا كانت بروكسل وباريس مقتنعة أنه يمكن تجاوز هذين العاملين في الأزمة السورية؟ هل تملك بروكسل وفرنسا استراتيجية واضحة في الشرق الأوسط وخصوصا في ملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي، بمعزل عن سياسة الالتحاق بالولايات المتحدة؟ هل يمكن أن يعطي الأوروبيون والفرنسيون تفسيراً لموقفهم المستكبر إزاء قضية المناضل اللبناني والعربي الكبير جورج إبراهيم عبد الله، ولماذا ينصاعون للاملاءات الأميركية التي تتحدى قوانينهم ومبادئهم؟ ما هو الهدف العسكري الأميركي تحديداً والغربي عموما، هل هو وقف تمدد(داعش)والحد من نفوذه أم القضاء عليه أو تطويقه؟ هل يعتقد الأوربيون والفرنسيون أنه بمقدورهم محاربة(داعش)في العراق، وعندما تبلغ المعركة عتبة سوريا يقولون إن الحرب ضد الإرهاب انتهت.. وليفعل النظام السوري ما بمقدوره أن يفعله وحده في مواجهة مجموعات إرهابية باتت تعاني من نزف جهادي وتراجعات وتشتت بسب الفعل العسكري الروسي والفعل العسكري السوري؟.
هل يمكن لعاقل أن يصدق أن الحرب ضد(داعش)لا يمكن إن تقتصر على الجو، بل لا بد من خيار البر؟ هل يستطيع الأوربيون وخاصةّ الفرنسيون أن يمارسوا الشفافية تجاه شعوبهم، بالكشف عن بعض أدوارهم في تنظيم وتسليح مجموعات جهادية وتسهيل انتقالها من أوروبا إلى سوريا وغيرها من(الساحات)؟ هل يخفى على المخابرات الأوروبية تحديداً، أنّ(الفيروس الجهادي)موجود في كل بلد من بلدان العالم(ومنها فرنسا)سواءً أكان فرداً أم مجموعة أو أكثر، وبالتالي، يمكن لهذا(الفيروس)إن يتفشى بأسرع مما يتوقع القيّمون على أجهزة الاستخبارات؟ من يستطيع أن يعطي تفسيراً لعمليات تجنيد الجهاديين في أوروبا وفرنسا وغيرها، ولماذا فشلت سياسات الاحتواء والاستيعاب الأوروبية ولماذا يفضل(أوروبيون جهاديون)الموت من أجل خليفة وهمي على العيش في ما تسمى(بلاد حقوق الإنسان)؟ أين مسؤولية سياسات التهميش والعزل والنبذ(تعاظم دور الأحزاب وما تسمى بالمجموعات اليمينية المتطرفة في بروكسل وفرنسا وغيرهما)؟
وفي أكثر من تحليل خلال الأشهر الأخيرة، بل ومنذ بداية الحدث السوري قبل سنوات(الجنرال غوغل يؤرخ ويؤرشف لنا سهل العودة إليه)، حذّرنا كغيرنا من المراقبين من خطورة الإرهاب المدخل إلى الداخل السوري عبر دول الجوار المختلفة، وما جرى في بعض ساحات أوروبا وفي بروكسل وقبلها في فرنسا، ما هو سوى قطرات الندى الأولى من فجر اا أيلول أوروبي قادم على القارة العجوز. وبفعل ميكانيزمات الحدث الأوكراني وما يجري في كييف من نقل أمراء القوقاز والمقاتلين الشيشان، من الداخل السوري إلى الداخل الأوكراني لضرب روسيّا، فعلى منظومات الأمن الأوروبية الابتعاد عن سياسات الالتحاق بمجتمع المخابرات الأمريكي، كون الأخير يسعى إلى تفجير أوروبا من الداخل ضمن رؤية البلدربيرغ الأمريكي(قد يفعّل ذلك الآن، كون من يحكم أمريكا بلدربيرغها وكارتلات حكمه، ان عبر الجمهوري، وان عبر الديمقراطي، سيّان في ذلك).
كوادر دائرة مكافحة الأرهاب في الأنتربول الدولي وعلى رأسهم مديرهم(بيارسانت هبلير)شرّحوا وشرحوا وأعلنوا: إن الجهاديين كثّفوا دخولهم إلى تركيا عبر الموانىء البحرية المختلفة بعد التضيّق عليهم في المطارات، وخاصةً عبر مرفأ ازميت على الساحل الشرقي من بحر مرمره، حيث تحوّل المرفأ إياه إلى بوابة لهم ومنها إلى سورية والعراق وليبيا. وكان لإشارات وتشخيصات تقرير معلوماتي إحصائي نشر في صحيفة الفاينانشال تايمز من إعداد كل من سام جونز في لندن ودنكان روبنسون في بروكسل، الأثر الواضح في التأشير على(سلّة)مخاطر عودة الجهاديين الأوروبيين الذين يقاتلون في سورية إلى بلدانهم، ويتضح من التقرير أنّ ما يقدّر بأكثر من ثلاثة آلاف جهادي يحملون جنسيات أوروبية يشاركون في العمليات القتالية في سورية والعراق، وبعضهم صار يقاتل في الجنوب السوري وفي درعا تحديداً، حيث قسم منهم مع(جبهة النصرة)والتي صارت نصرة(لإسرائيل)، وقسم مع داعش، وقسم مع بقايا ما يسمى بالجيش الحر والمتمثل في لواء اليرموك الذي بايع داعش سرّاً، حيث تستثمر في الأخير بعض دول الجوار السوري بوصفه معارضة معتدلة، في دعم جهة إرهابية ضد أخرى ليكون حاجز عزل أمام الإرهاب المتطرف والمتمثل في النصرة وداعش، حيث تتفاقم النتائج والكلف الأمنية والسياسية، وقد يقود هذا الأمر إلى تأسيس إمارة حوران داعشية في الجنوب السوري بدعم إسرائيلي صهيوني واضح، ينضم لها لاحقاً أجزاء من إقليم شمال الأردن ويقلب جغرافية مثلث الحدود الأردنية السورية المشتركة مع الأراضي المحتلة(إسرائيل)، ومع الأراضي اللبنانية عبر الأراضي السورية المحتلة في الجولان لتكون قلمون لبناني آخر في الجولان السوري المحتل. وما لم يقله التقرير هذا أنّ العدد هو أكثر من سبعة آلاف أوروبي ثلثهم من أصول أوروبية حقيقية أصليّه.
في تصريحات سياسية متعددة بمضامين استخبارية دقيقة، مستندة إلى ترسيمات ميدانية وواقع، أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: أنّ هناك عدّة آلاف من أوروبا ومناطق القوقاز يقاتلون في سورية أكثر من سبعة آلاف، فيما أشارت تصريحات سياسية تعكس معلومات وبأساس استخباري أيضا،ً صادرة عن كوادر في مكافحة الإرهاب الأممي في الإتحاد الأوروبي حيث قالت: عدد الأوربيون الذين سافروا للقتال في سورية فاق عددهم في الصومال وأفغانستان والعراق وجلّهم من أصول قوقازية وعربية. والذي لم تقله تصريحات كوادر مكافحة الإرهاب في الأنتربول الدولي أيضاً، أن أجهزة المخابرات الأوروبية هي من سهّلت سفرهم وإدخالهم إلى الداخل السوري، وبالتالي هؤلاء عندما يعودون إلى بلدانهم الأوروبية الأصلية، فهم بمثابة قنابل سوف تنفجر في وجه منظومات الأمن الأوروبية الأستخبارية، وستكون الكلف الأمنية والسياسية والاجتماعية والثقافية الفكرية عالية جدا، تقود في النهاية إلى عدم استقرار أوروبا وبالتالي زعزعة هياكل الأمن الأوروبية المتداخله، وهذا ما تريده أمريكا وتسعى إلى تقوية أوكرانيا ليس فقط من أجل تهديد روسيّا واستنزافها بل من أجل مرحلة غزو أوكرانيا القويّة عسكرياً نفسها لغزو أوروبا وهذا ما صار إدراكا أوروبيّاً تدركه مؤسسات القرار الأوروبي، بجانب خطر(الأسلمة) والذي صار خطراً عابراً للقارات في العالم بفعل الحدث السوري واستثمارات البلدربيرغ الأمريكي فيه، عبر صناعات الإرهاب عبر القاعدة وأخواتها ودواعش الماما الأمريكية، فخطر(الأسلمه)يؤسلم المسيحيين، هكذا ترى مفاصل القرار الأوروبي ذلك، خاصةً بصورته المتطرفة على الناشئة في المجتمعات الأوروبية.
أعتقد وأحسب وبوضوح إنّ القارة الأوروبية وبسبب هذه السياسة الحمقاء في الحدث السوري، سوف تفجّر نفسها من الداخل، وهذا من شأنه أن يسهّل على العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، المزيد من السيطرة الشمولية على كل أوروبا خاصةً وبعد شروع العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي في تصحيحات هنا وهناك في العلاقات مع دول حدائقها الخلفية في أمريكا اللاتينية وبدأت في كوبا(سوف تستمر وفي عهد ترامب كون الدافع والموجّه لها كارتلات البلدربيرغ الأمريكي)، مع تصحيحات في العلاقات مع كراكاس العاصمة الفنزويلية ولكن بصورة الثورات الملونة وعبر الطبقات الاجتماعية الغنية والميسورة بل والأرستقراطية أيضاً، لاستعادة مصالحها(الأرستقراطية الفنزويليه)المالية والاقتصادية بسبب الرعاية الاجتماعية الطويلة لنظام هوغو شافيز للطبقات الفقيرة في الداخل الفنزويلي، واستمرار هياكل النظام البوليفاري الحالي المنتخب بتلك السياسة.
وأضاف هذا المسؤول الأمني الاتحادي الأوروبي: أنّ هناك تعاون مع دول الخليج من العرب، لوقف فضائيات تروّج لبث الكراهية والفتن وأفكار القاعدة وأخواتها، كما تروج للآرهاب الدولي في سورية والعراق وجلّ المنطقة العربية. إنّ تسخين وتسخين الساحة السورية كساحة حرب، عبر دفع بالمزيد من المقاتلين من الدول الأوروبية وخاصة ذو الأصول القوقازية والعربية، وبالمقاتلين من ليبيا واليمن الآن، عبر تفعيل القوام المؤسساتي للمؤامرة المخابراتية- السياسية وعبر تينك أدواتها المختلفة، وخاصة البعض العربي المرتهن للغرب، من مثلث أطراف واشنطن، باريس، لندن، وبالتنسيق العميق مع الكيان الصهيوني والبعض العربي، من شأنه تحقيق عدّة أهداف إستراتيجية هامة:-
– يسمح بالتخلص من آلاف العناصر الجهادية المسلّحة المتواجدة الآن في ليبيا المحتلّة نيتويّاً، والتي صارت في مرحلة(اللاّدولة)رغم دعومات هنا وهناك لكرازاي ليبيا خليفه حفتر وغيره، وهذا يسهّل على الناتو ترتيب الأوضاع في ليبيا المحتلّة ما بعد اغتيال القذّافي وسقوط نسقه السياسي وتشكيل حكومة ليبية جديدة قد تكون واحدة ومستقرة، وذلك لعدم وجود هذه العناصر المسلّحة الإسلامية المعيقة للترتيبات الناتويّة القادمة، ففي ليبيا برلمانيين وحكومتين.
وتسخين الساحة السورية كساحة حرب، وإسقاط النسق السياسي فيها، يعني إضعاف قدرات الدولة السورية، وخاصة مؤسسة الجيش العربي السوري ومؤسسة الأمن السياسي العربية السورية، وتحويل سورية إلى دولة فاشلة، أكثر فشلاً من دولة اليمن، وهذا الأمر تسعى له تحديداً، المخابرات الفرنسية والبريطانية والأمريكية والصهيونية.
وإشعال الساحة السورية حرباً وقتالاً عنيفاً، من شأنه أن يتيح إلى جانب التخلص، من العناصر الجهادية الإسلامية، المسلّحة الليبية ومجموعات القاعدة في اليمن وفي معظم بلدان القارة الأوروبية بعد أن تمّ شحنهم إلى سورية، يقود إلى التخلص أيضاً، من العناصر الجهادية الإسلامية المسلّحة الموجودة، في أوروبا كخلايا نائمة، بحيث تقوم أجهزة المخابرات الأوروبية، على دفع وتسهيل مسألة هجرة، هذه العناصر الإسلامية المسلّحة ذات الأصول القوقازية، والمتواجدة على الساحات الأوروبية، للذهاب إلى سورية للقتال والمساهمة، في إسقاط النسق السياسي السوري.
وإشعال متزايد للمسرح السياسي السوري، سوف يأخذ مزيد من طابع العنف السياسي الديني، المرتفع الشدّة، ومزيد من الطابع العسكري الدموي، وهذا يعني ببساطة: حرب أهلية إسلامية اثنيه مذهبية عميقة، خاصة مع عمليات الشيطنة لحزب الله اللبناني عبر وسائل الميديا العربية والعالمية. بسبب أركولوجية السياسة البلدربيرغيّة الأمريكية وتخبطاتها ومتاهاتها واضطراباتها، مسنودة من حلفائها من غرب وبعض عرب ومن حكومة حزب التنمية والعدالة في تركيا، صارت المنطقة في الشرق الأوسط مغناطيساً جاذباً لمجاميع الإرهابيين ذو الخبرات القتالية العالمية من أرجاء الأرض الأربع.
منطقة الشرق الأوسط ساخنة للغاية والجزء العربي منها تحديداً، والأخير مليئ ببؤر النزاعات والصراعات المختلفة، وخاصةً بعد حراكات الشارع العربي إن لجهة التحريك عبر الطرف الخارجي، وان لجهة الحركة العفوية واستثمارها من الطرف الثالث، وفي ساحاتها السياسية الضعيفة والقويّة على حد سواء، وذات التداعيات الأفقية والعامودية، على مجمل السياق الأمني- الجمعي للمنطقة، مع وجود روابط مفعّلة وأيادي خفية، تكمّل وتغذي بعضها البعض، بين متغير بؤر هذه النزاعات والصراعات، في الساحات السياسية الأنف ذكرها، ومتغير السياق الأمني – الجمعي للشرق الأوسط ككل، عبر دور للعامل الكوني الأميركي الأوروبي البعض العربي المتخاذل التابع المتقاطع في مصالحه، مع دور “إسرائيلي” لا يمكن أن نعتبره إقليمي لسبب بسيط: فهي دولة ليست إقليمية(أي الدولة العبرية) ولن تكون كذلك لاحقاً، هكذا تشي المؤشرات السياسية والأمنية والعسكرية وفوق ذلك جغرافية المناخ المحيط بها، علم الرياضيات السياسية يشرح ذلك.
فالسياسة معادلات حسابية، فان كانت المعادلة الرياضية التالية: 2+ 2 = 4 فإنها في كثير من الظروف = 6 أو 7 … الخ، عندما يراد لها أن تساوي كذلك يكون، كما هو الحال الآن في سورية وسيكون عليه في إيران أو أي دولة في العالم. العامل الأميركي ومعه الإسرائيلي وبعض من الأوروبي وبعض العربي الراهن، وخاصةً من الطبقات الحاكمة العربية المؤثرين بالمال فقط، وعبر حلقات ودوائر أمنية سياسية استخبارية، يفضي كل واحد منها إلى الآخر بآليات تنفيذ، يلعب دوراً نوعيّاً وكميّاً في تأجيج وتوجيه، الصراع بمجمله في الشرق الأوسط، وهذا من شأنه أن يقود إلى تغذية بؤر الصراعات الجزئية في الساحات السياسية المختلفة. وبذات السياق والمسار يقوم هذا العامل الأممي، بتصعيد توترات هذه البؤر الصراعية الجزئية، وحراكات شارعها الشعبوي، ودفعها بمفاعيلها باتجاه التصعيد، وتوتير الوضع الكلي للشرق الأوسط، عبر علاقة هندسية تبادلية في النتائج والأهداف بين المتغيرين السابقين. العامل الكوني الأميركي والإسرائيلي تحديداً ومعه جزء من الأوروبي وبعض العرب الذي يتاجر في سوق النخاسة، يسعى إلى استخدام وتوظيف ملفات بؤر الصراع الجزئي و/ أو الكلي، في الساحات السياسية والثورات الشعبوية و/ أو حالات الحراكات الشعبية في بعض الساحات الأخرى، لجهة إدارة دواليب مفاعيل الأزمة في الشرق الأوسط، ويستخدم الأزمات كأسلوب إدارة للصراع فيه وعليه، ويدفع باتجاه التصعيد والتوتر عندما تقتضي المصالح بذلك، وإرسال الرسائل في كافة الاتجاهات، وفي نفس الوقت يسعى ذات العامل السابق إلى التنفيس والتهدئة، عندما يكون التصعيد والتوتر في غير مصالحهما التكتيكية والإستراتيجية.
إنّ مفاعيل التعبئة الأمريكية الإسرائيلية الأوروبية التركية والبعض عربية، الآنية الممنهجة الفاعلة ضد سورية ولبنان وضد الفلسطينيين وضد الأردن (عبر ممارسة شتى الضغوط على الدولة والملك، لتنفيذ ما يروق ويحلو للبعض في الأفق)وحتّى العرب مجتمعين، والمدعومة من أجنحة يمينية متطرفة في الإدارة الأميركية الحالية الراحلة بتوجيه من الأيباك(قد تستمر في عهد الجمهوري المنتخب ترامب ان لم تغيّر كارتلات البلدربيرغ من رؤيتها، كونها المحرك لكل شيء في العالم وأمريكا)، تهدف إلى سلّة من الأهداف لا تخفى على السذّج من العوام، فكيف بمن تدعي أنّها من النخب في مجتمعاتها.
ومع توسيع نطاق بناء وحجم المستوطنات الإسرائيلية، وتهويد جل المكونات الإسلامية العربية الرئيسية في الأراضي المحتلة لعام 1967 م، وخاصة في القدس “حشاشة” قلوبنا نحن لا قلوبهم، إن يهدف من جهة تحويل جهود واهتمامات الفلسطينيين والعرب، من التركيز على مشكلة الترحيل والطرد من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإحلال وإسكان المستوطنين مكانهم ومحلّهم، مما يجعل من جهة أخرى، عمليات تهويد القدس والمقدسات الإسلامية العربية الفلسطينية أمراً واقعاً على الأرض، ليصعب التفاوض حوله مستقبلاً وعبر أي طريقة من طرق التفاوض، التي عرفتها البشرية إلى الآن، إلى التركيز ولفت الانتباه إلى ما يجري في شوارع الدول القطرية لأمتنا العربية، مع اعترافنا بحقوق شعوبنا المنهوبة من قبل الطبقات الحاكمة، والتي غدت أنظمة شمولية استبدادية، فمن حق القوى الشعبوية أن تنهض من سباتها العميق، والذي بدأ هذا السبات كنوم أهل الكهف ما بعد بعد نهايات الحرب الكونية الثانية، وخلال الحرب العالمية الثالثة والتي تجري الآن عبر الأستثمار في الأرهاب من خلال الأستثمار بالدين، لتغيير شكل ومنهج العالم.
كما يهدف أيضاً إلى فرض عملية شد الأطراف الأخرى في الساحات السياسية المتقابلة، بحيث يتم إشغال السوريين، واللبنانيين، والأردنيين وكافة العرب المعنيين، بمجريات الصراع العربي الإسرائيلي، بكيفية مواجهة حراكات الشارع الشعبية، والمطالبة بحرياتها وببعض حقوقها، دون الانتباه لكيفية مواجهة الخطر العسكري الإسرائيلي المحتمل، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى عملية ممنهجة، لصرف أنظار الرأي العام العربي والإسلامي، لتحويل النظر عمّا يحدث داخل فلسطين المحتلة لعام 1967 م من عمليات تهويد تجري على قدم وساق في كل شيء.
ومن الممكن أن يؤدي كل ما تم ذكره، إلى إشعال دراماتيكي للحرب، لاستعادة قوّة الردع الإسرائيلية، وإضعاف حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية، ويبقى ذلك مجرد احتمال والاحتمال في السياسة ليس يقيناً.
الدولة العبرية(ثكنة المرتزقة)، تستخدم تحقيق الأهداف التكتيكية، لصياغة وإنتاج الاستراتيجي منها بإتقان، بحيث الأمر الاستراتيجي المفروغ منه، يتمثل في السيطرة على أراضي الغير العربي الإستراتيجية منها، وإكمال عمليات تهويدها والقضاء على أي احتمالات لنشوء المقاومة الوطنية، مع سعي حثيث لها إلى مزيد، من توريط واشنطن في أزمات الشرق الأوسط المختلفة، كي يقود ويؤدي ذلك إلى تسهيل مهمات الجناح اليميني المتطرف المحافظين الجدد بنسخهم المستحدثة في إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وينجح في إعادة القوّات الأميركية الأحتلالية إلى العراق عبر الأحداث الجارية وفي الموصل وجلّ جغرافية العراق بصور مختلفة. كما قد يقود إلى التأجيل أو التباطؤ في الانسحاب الأمريكي في أفغانستان واتخاذ الأزمة الأوكرانية ذريعة أخرى، والترويج الأمريكي لعدم التعاون الروسي مع واشنطن في الانسحابات الموهومة من الأفغانستان، وكل العالم شهد كيف جاء توقيت اغتيال أسامة بن لادن لمزيد من تأجيل الخروج الأمريكي من كابول في وقته، ثم أنتج لنا الأمريكان أبو بكر البغدادي(بعد تصفية بن لادن) من بوكا1، والآن يعملوا على إنتاج أبو الحسين الإيراني عبر نموذج بوكا2 . كما تسعى العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، لخلق مصادر تهديد وخطر محدق، في ظاهرها حقيقي وفي باطنها وهمي مفترض، كي تستطيع “إسرائيل” الحصول على المزيد المزيد من القدرات والمقدّرات المختلفة من أمريكا، وخلق مبررات ابتزاز مقنعة للإدارة الأمريكية وحلفائها من الدول الغربية، مع دفع دول خليجية عربية معروفة لمزيد من الحلقات التطبيعية مع تل أبيب والارتماء بأحضانها.
وتتحدث المعلومات، بأنّ هناك مشروع إسرائيلي أميركي(قد يفعّل ويطبق خلال عهد الأدارة الجمهورية القادمة بصفتها صدى المجمّع الصناعي الحربي الأمريكي ذراع البلدربيرغ الأمريكي) لنشر وبناء قدرات نووية، لموازنة القدرات النووية الإيرانية، سيتم بناء بعضها ونشر الآخر في دول خليجية عربية ومعروفة، رغم سريان الأتفاق النووي الأيراني، وذلك بموجب اتفاقيات أمنية خاصة تم توقيعها سرّاً وقبل أزيد من سنتين وهي ملزمة كونها نتاج رؤية جنين الحكومة الأممية، كل ذلك عبر المحافظون الجدد والمكارثيون الجدد أيضاً في مفاصل المؤسسات الأمريكية.
وأعتقد وأحسب أنّه يتموضع ويتبلور، متمحوراً بالمعنى الإستراتيجي التالي: فكرة التعايش مع إيران النووية، صارت مقبولة لدى الأسرائليين، وصار العقل الاستراتيجي الأمني الإسرائيلي، أكثر اهتماماً وتوظيفاً وتوليفاً، لفكرة مفهوم إيران النووية، ليحقق مزيد من المكاسب المختلفة، ومزيد من فتح نوافذ الفرص المهدورة في السابق من الزاوية “الإسرائيلية” وفي مقدمتها تعظيم المنافع لجهة التقدم في مشروع التطبيع الإسرائيلي مع دول الخليج المختلفة. ومع تقليل المخاطر المختلفة على “إسرائيل” نفسها، وذلك عبر الضغط من أجل إعادة تنميط العلاقات والروابط، من أجل فصمها أو التقليل من حرارتها بين أطراف مربع (سورية، حزب الله، المقاومة الفلسطينية، وإيران) من منظور العامل الأميركي الإسرائيلي وبعض من الدول الأوروبية، في متغير مجريات السياق الأمني الجمعي في الشرق الأوسط، والذي يعمل على إضعاف الحلقة الإيرانية خاصرة الفدرالية الروسية الضعيفة، عبر محاولات إضعاف سورية وللسنة السادسة على التوالي وإخراجها من وباقي حلقات محور الممانعة. وتقول المعلومات، بعدم حدوث مواجهات عسكرية على المدى القصير في المنطقة، بالرغم من وجود طائرات إسرائيلية مقاتلة ومتطورة، في بعض القواعد الأمريكية في المنطقة ودول الجوار السوري والعراق تحديداً عبر غطاء أمريكي، مع اندلاع مواجهات دبلوماسية قويّة حول المنطقة وفيها، حيث ابتدأت بحملة بناء الذرائع الجديدة، حول موضوعة صواريخ سكود وغيرها، العاملة بالوقود السائل، والتي تحتاج إلى أكثر من ثلاثة أرباع الساعة لإطلاقها؟!. وفي ظني وتقديري، أنّ استخدام الأزمات كأسلوب إدارة، في تفعيل أزمة حملة بناء الذرائع الجديدة، سوف يؤدي إلى تفعيل أزمة داخلية لبنانية حول أسلحة حزب الله اللبناني والمقاومة، وهذا من شأنه أن يقود إلى إعادة إنتاج إشعال الساحة السياسية اللبنانية، والساحات السياسية الضعيفة الأخرى، وكما من الممكن أن يؤدي كل ذلك إلى قرارات دولية جديدة تستهدف قوى محور الممانعة في المنطقة، وخاصةً سورية ولبنان وإيران وحماس وحزب الله والمقاومات الأخرى، والتي من الممكن أن تنشأ لاحقاً في المنطقة بعد إطلاق استراتيجية المقاومة من سورية لاستعادة الجولان السوري المحتل، بعد رغبة الإسرائيلي في تغير قواعد فك الاشتباك السابقة، فتم إزالة الألغام من الجانب العبري باتجاه القنيطرة، قابله إزالة الألغام من الجانب السوري باتجاه الجانب الفلسطيني المحتل(إسرائيل)، كل ذلك ممكن الحدوث والتفاعل تبعاً لمجريات متغير العامل الدولي، ومتغير بؤر الصراعات الجزئية في الساحات السياسية الضعيفة والقوية في المنطقة. ومن هذا المنطلق وعبر هذه السياقات الأنفة، ممكن فهم ما يجري على الحدود السورية التركية وخاصة في حلب الشرقية، وعبر صعاليك ما يسمى بجيش الفتح بعد الأجتماع الأمني الأخير في تركيا(تركي أمريكي سعودي وجبهة النصرة العامود الفقري لصعاليك الفتح وأخريات من العواصم)حيث الطلب والتوجيه لزومبيات وصعاليك الأرهاب، كذلك ما تعده تركيا لمعبر كسب من جديد ارهاب وقتل وسحل، وحيث الأخير هو قرم سورية، هناك محاولات تركية لإعادة انتاجات لمعركة كسب السابقة، كذلك ما يجري وما قد يعد له في الجنوب السوري الساخن خاصةً سبق وأن وصف مصدر عسكري أردني بوضوح: أنّ الحدود الأردنية السورية فسيفسائية بامتياز!!.
mohd_ahamd2003@yahoo.com