تقرير: قطر "عملاق" من ورق في صحف الدوحة "قزم" اقتصادي بالأرقام

الجريدة نت28 يونيو 2017
تقرير: قطر "عملاق" من ورق في صحف الدوحة "قزم" اقتصادي بالأرقام

بعد إعلان “القطيعة” الحالية بين دول الإمارات، والسعودية والبحرين، ومصر، ودول عربية وإسلامية أخرى، وليس “الخلاف” كما يحلو لقطر التأكيد والإصرار على ذلك، انخرط الإعلام القطري في أكبر مغالطة من نوعها في تاريخ الصحافة في المنطقة، بالاعتماد على المغالطة والتضليل المتعمد.
وفي الواقع يعكس الإعلام القطري ازدواجية خطاب الدوحة التي حولها الإعلام الرسمي من قزم اقتصادي إلى عملاق من ورق، لتهدئة الجبهة الداخلية، بعد قيام العاصفة التي تُهدد جدياً حاضر ومستقبل شبه الجزيرة القطرية.
يتأكد المتابع والمهتم بالشأن الخليجي بعد عاصفة المقاطعة، أن هذا النوع من الإعلام هو الذي سيدفع بقطر إلى الهاوية، بسبب الانطباع الخاطئ الذي يُولده لدى الرأي العام عن حقيقة الوضع في الداخل، ودوره في صناعة الوهم والترويج له “مع سابق الإصرار والإضمار” والتمرد على الحقائق، والوقائع.
وبالنظر إلى الصحافة والإعلام في قطر، فإن أكثر ما يشد الاهتمام “ضخامة ومناعة واقتدار الاقتصاد القطري” بشهادة الإعلام الذي جعل من بلد المليوني ساكن، عملاقاً اقتصادياً، يتفوق بحجمه وأهميته على أكبر اقتصاديات العالم وأشدها متانة، وبهذا المنطق القطري المنحرف، يُحول إعلام الدوحة، الإمارة الصغيرة إلى ما يُشبه ضفدع عِظة لافونتان الفرنسي الشهيرة الضفدع والثور.
ولمن لا يعرف القصة الشهيرة للشاعر وحكيم فرنسا الكبير في القرن السابع عشر جان لا فونتان، تقول القصة إن ضفدعاً صغيراً كان يعيش في غدير ماء مع مجموعة من الضفادع الأخرى، حتى وصول قطيع من الثيران الضخمة بالمنطقة للرعي، وبمجرد قدوم الثيران الكبيرة، أُصيب الضفدع بلوثة حقيقية، بعد افتتانه بحجم الثور وقوته، فانبرى ينفخ نفسه مُفاخراً الضفادع الأخرى، ومع كل زيادة في الحجم، زاد غرور الضفدع  الذي كان يصرخ:”أنا أيضاً ضخم، أنا أيضاَ جميل، وقريباً سأصبح في حجم الثور” وظل الضفدع على ذلك حتى تضخم، وتضاعف حجمه… قبل أن ينفجر.
وبالنظر إلى الإعلام القطري تقفز صورة الضفدع المغرور إلى الذهن، خاصة عند مقارنة “نقيق” صحفه ومواقعه، وبعد مراجعة بعض الوقائع والحقائق، التي تُوردها الأرقام الرسمية والمعطيات الموثقة، والتقارير الإعلامية الأجنبية.
وبالعودة إلى الأيام القليلة الماضية مثلاً، شدد الإعلام القطري على “الإنجازات” و”المعجزات” التي أتتها الدوحة، لكسر “الحصار”، عبر الأرقام “التاريخية” التي حققها القطاع السياحي والفندقي، في عطلة عيد الفطر على سبيل المثال.
وفي الوقت الذي خصصت فيه وكالة دولية مثل رويترز الثلاثاء تقريراً بتاريخ 27 يونيو (حزيران) عن الانخفاض الحاد في معدلات الإشغال في عطلة عيد الفطر، ومعاناة الفنادق القطرية لتحقيق نسبة لا تتجاوز 57%، نجد في رد الصدى القطري، صورةً مختلفة تماماً عن الواقع والأرقام، تتحدث عن ” فنادق قطر تكسر الحصار بنسب إشغال 95%”.
وبهذه المغالطات يؤكد الإعلام القطري أنه لا يكترث بنتائج هذه الممارسات المدمرة في الدوحة نفسها، خاصة إذا استمر الوضع فنرة أطول وهو المرشح لذلك أصلاً، بعد أن يختفي أثر هذه الحُقن ومفعولها المؤقت، ذلك أن القارئ القطري قبل غيره يعرف محدودية السوق الداخلية التي تقوم على حوالي مليوني ساكن، أكثر من نصفهم من العمالة الرخيصة وغير المتخصصة، أي التي لا تتمتع بمقدرة شرائية مرتفعة تسمح بتعويض بعض الخسائر التي تكبدتها فنادق الدوحة وسياحتها، وهي التي يقول عنها تقرير الوكالة إنها خسرت الجزء الأهم من روادها التقليديين أي السعوديين والبحرينيين.
ولتجاوز المطبات التي تردى فيها الإعلام الرسمي، يعمد الخطاب إلى تطويع الأرقام، وتقديمها مجتزأة ومنقوصة، ونشر البيانات المطمئنة التي تحدثت، حسب وكالة رويترز، عن “فترة عيد مزدحمة جداً، بعد مرور 580 ألف راكب عبر مطار الدوحة”.
ولكن هذا الإعلام لا يُقدم أرقاماً قابلة للمقارنة، ولا معطيات عن حجم الحركة والتدفق الجوي على البلاد في الاتجاهين منذ إعلان قرار المقاطعة، وهو الذي تضرر بشدة بعدها من حدتها، والذي أكدته رويترز بتأكيد ” تراجع بـ 27 ألف مسافر يومياً” وذلك في الوقت الذي تمتنع فيه الجهات المعنية عن تقديم أرقام الفترة نفسها من العام الماضي، للمقارنة والاستنتاج، وهي من أبديات العمل الصحافي والإعلامي المعروفة.
وإلى جانب “تطويع” الأرقام والمعلومات الاقتصادية، يعمد الإعلام في قطر، بناءً على هذا التوجه الرسمي، إلى المغالطة الصريحة باعتماد عناوين من طينة “ارتفاع عدد القادمين إلى قطر 7% رغم الحصار” مثلاً، للإيحاء بأن المقاطعة الخليجية والعربية، عاجزة عن التأثير المباشر في الاقتصاد القطري، وذلك في سقوط مدوٍ ومستمر، خاصة أن القارئ يعرف جيداً أن العنوان لا يصف تأثير المقاطعة بقدر ما يتحدث عن حجم التدفق على الدوحة بين يناير (كانون الثاني) ومايو (أيار) 2017، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، ولكن دون الإشارة إلى أن ذلك لا يشمل تأثير المقاطعة المعلنة في آخر مايو (أيار) 2017، ويُمكن ومن الآن الرهان على أن الإعلام القطري، لن يتعرض إلى الأرقام المسجلة على امتداد شهر يونيو (حزيران) أي بعد دخول المقاطعة حيز التنفيذ.
وبنفس الإصرار ينخرط الإعلام القطري في عزف أنشودة “كسر الحصار” و”الخسائر الهائلة التي طالت شركات الدول المقاطعة” و”الفزع في الأسواق المالية الخليجية” التي تقاطع دولها الدوحة، بسبب الكلفة المالية المرتفعة لقرار هذه الدول على الشركات السعودية والإماراتية مثلاً، التي “تتكبد خسائر فادحة” بسبب مقاطعة السوق القطرية.
ولأن حبل الكذب قصير، تكفي العودة إلى الأرقام الرسمية القطرية الصادرة قبل الأزمة عن وزارة التخطيط التنموي والإحصاء في الدوحة، لكشف التلاعب، ذلك أن حجم التبادل التجاري بين قطر ودول المقاطعة أي السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر بلغ في كامل 2016 ما يُعادل “33.690 مليار ريال قطري، أي حوالي 9.2 مليار دولار” ما ينسف مصداقية الخسائر الفادحة التي يروج لها هذا الإعلام.
وبالتدقيق في الأرقام الرسمية التي أعلنتها الوزارة نفسها في 2016 والمنشورة على موقعها الإلكتروني، جاءت تفاصيل هذه المبادلات التجارية مع هذه الدولية على النحو الآتي :” تصدرت الإمارات، قائمة صادرات قطر لدول مجلس التعاون الخليجي، بنحو 11.5 مليار ريال قطري (3.2 مليار دولار) مقارنةً مع واردات بنحو 9.1 مليار ريال قطري (2.5 مليار دولار)”.
أما السعودية فبلغت صادراتها إلى قطر “نحو 5.06 مليار ريال قطري (1.4 مليار دولار) مقارنة مع صادرات 1.17 مليار ريال قطري (321 مليون دولار)”.
ومن جهة أخرى استوردت “قطر من البحرين بقيمة 1.193 مليار ريال قطري (327 مليون دولار)، وصدرت سلعاً بما يعادل 509 ملايين ريال قطري (140 مليون دولار)”.
وأخيراً استوردت الدوحة من مصر بما يعادل :” 1.2 مليار ريال قطري (329 مليون دولار) وصدرت إليها سلعاً بنحو 3.96 مليار ريال قطري (1.09 مليار دولار)”.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه الأرقام الرسمية القطرية، في الظروف العادية، ضيق أو ضآلة السوق القطرية من جهة، ومحدودية ثقلها في ميزان الشركات الخليجية الكبرى خاصةً في الإمارات، والسعودية من جهة أخرى، إلا أن الإعلام القطري يُصر في تقاريره على “تكبد الشركات السعودية خسائر بمليارات الدولارات” بعد قرار المقاطعة.
ولكن هذه التقارير نفسها عاجزة عن تقديم التفسير المنطقي القادر على إقناع المتابع بأن السعودية التي لا يتجاوز إجمالي تبادلها التجاري مع الجارة الصغيرة 1.4 مليار دولار في عام كامل، تُعاني هذه الأيام من “هزة حقيقية” بعد تكبد شركاتها خسائر بمليارات الدولارات، بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على قطع الحركة التجارية بين البلدين.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.