لماذا تراجع الاهتمام بأصل جائحة كورونا؟

الجريدة نت1 يناير 2023
لماذا تراجع الاهتمام بأصل جائحة كورونا؟
الجريدة نت - طارق العليان

رأى الكاتب الأمريكي بيتر لافين أن جائحة كورونا تبدو في الآونة الأخيرة كأنها أصابت أناساً آخرين، “وأننا كنا مجرد متفرجين شاهدنا كل شيء يتكشف أمامنا لننسى ما رأيناه وكأن شيئاً لم يكن”. ومع ذلك، فإن الدمار الناجم عن سياسات الجائحة لم يزل قائماً. ولكن يبدو أن الغضب والإحباط الذي عبَّر عنه الجمهور ذات مرة تجاه الجائحة والقيود المصاحبة له قد تلاشيا.وأضاف الكاتب في مقال في موقع “واشنطن إكزامينر”: “حتي وسائل الإعلام يبدو أنها انشغلت أخيراً بموضوع آخر. لم يعد المعلقون الليبراليون يتشدقون بأعداد الوفيات التي خلفتها الجائحة، والتي تعادل أضعاف عدد ضحايا أحداث 11 شتنبر، لطالما كانت هذه المقارنة سهلة بالطبع، لكنها على الأقل كانت تشير إلى الرغبة في الوصول إلى الحقيقة ومحاسبة المسؤولين.
ولفت الكاتب إلى أن المشكلة هي أن وسائل الإعلام لدينا لم تكن أبداً مهتمة حقاً بالمساءلة. لقد رفضوا التفكير في احتمال أن يكون فيروس كورونا قد تسرب من أحد مختبرات ووهان، لأن أي اقتراح من هذا القبيل سيظُهر عنصرية معادية لآسيا، وبدلاً من ذلك وجهوا إحباطهم نحو هدف ثانوي.
كان الجاني الحقيقي، كما أكد مقال رأيٍ لصحيفة “نيويورك تايمز”، “عقوداً من الإهمال البيئي العالمي”، جنباً إلى جنب مع البحث العلمي الذي عانى من نقص التمويل، والذي يعود الفضل فيه بلا شك إلى غوغاء الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب. وبوضع ترامب وشركائه في الاعتبار، كان مقدمو أخبارنا الليبراليون الشجعان يتلون بغضب عدد الوفيات المحدَّث كل ليلة.

الانسحاب الصامت
لكن بعد مقالٍ نُشر في ماي 2021، في “مجلة علماء الذرة” Bulletin of Atomic Scientists، ألقى بظلال من الشك على نظرية الأصل الطبيعي وأثارَ احتمالَ أن الفيروس قد هرب من معهد ووهان لأبحاث الفيروسات، بدأ غضبُ وسائل الإعلام الواضحُ يتلاشى إلى شيء أشبه بالانسحاب الصامت. إن الاحتمال المتزايد بأن فيروس كورونا كان في حد ذاته ثمرة البحث العلمي في المختبرات البيولوجية الصينية، والذي تضمَّن دمجَ سلالات كورونا معاً لجعلها معدية بشكل أكبر للبشر (أي “البحث المكتسب من الوظيفة”)، قد جعل وسائل الإعلام فجأة غير مهتمة بلعبة إلقاء اللوم. ومنذ ذلك الحين، أمست حساسةً تجاه موضوع أصول فيروس كورونا.

عدم اكتراث الصحافة
ومضى الكاتب يقول: “لنضع في اعتبارنا غرابة عدم اكتراث وسائل الإعلام بأصول فيروس كورونا. إذا كان فيروس كورونا يعادل حقاً ألف حادث من نوع 11 شتنبر، ألا يجبُ علينا أن نحاول على الأقل فهمَ ما حدث من أجل منع حدوثه مرة أخرى؟”.في شهر أكتوبر(تشرين الأول)، أصدر مكتب السناتور ريتشارد بور (الجمهوري – من نورث كارولاينا) تقريراً مؤقتاً من تحقيقٍ لم يتم الإفراج عنه بعد، زعمَ أن الأصل المحتمل للوباء كان تسريباً معملياً في معهد ووهان لأبحاث الفيروسات. وظلت وسائل الإعلام – كما كان متوقعاً – صامتة رداً على ذلك. وفي نهاية المطاف، تورطت في الأمر منافذ إعلامية مثل “نيويورك تايمز”. فبعد الانتقاد الشديد لفرضية التسرب من المختبر لعدة أشهر، لم يكن من مصلحتهم الإخبار بأي شيء مخالف. إن النتائج المفضلة فقط هي التي تتصدر عناوين الأخبار في عصر الإعلام الموروث هذا.

غموض البحوث البيولوجية الصينية
ومع ذلك، عندما تعاونت غرفة الأخبار الاستقصائية الرئيسة في المجال الليبرالي، “بروبابليكا” ProPublica، مع مجلة “فانيتي فير” Vanity Fair اللامعة وذات الميول اليسارية، الشهر الماضي للتأكد من صحة تقرير بور، لم تؤكدا استنتاجاته فحسب، وإنما عززتا ذلك بسياق إضافي. ألقى التقرير المذهل الضوءَ على الحالة الغامضة للبحوث البيولوجية الصينية، التي تتعرض فيها مختبرات، مثل معهد ووهان لأبحاث الفيروسات، لضغطٍ هائل لإنتاج أبحاث علمية غير مسبوقة تمجيداً للحزب الشيوعي الصيني، بينما تكافحُ في الوقت نفسه مشكلات السلامة المتزايدة.
الأهم من ذلك، برأي الكاتب، أن تقرير بروبابلكيا/ فانيتي فير تحَقَّق من الجانب الأكثر إثارة للدهشة في تقرير بور؛ ألا وهو وقوع حادثة احتواء بيولوجي خطيرة في معهد ووهان لأبحاث الفيروسات قبل أيام فقط من بدء انتشار الفيروس في جميع أنحاء المنطقة.وجه منتقدو تقرير بور انتقاداً لاذعاً بسبب اعتماده المفرط على عالِمٍ لغويٍّ وحيد لتفسير حديث الحزب “المبتهج دائماً” في المراسلات التي جرت بين مسؤولي معهد ووهان لأبحاث الفيروسات والحزب الشيوعي الصيني بعد وقوع الحادث.
لكن تقرير بروبابليكا / فانيتي فير أكد تفسيرَ تقرير بور مستعيناً بثلاثة خبراء منفصلين. كانت حادثة الاحتواء الحيوي خطيرة بما يكفي لدرجة أن الرئيس شي جين بينغ، أقوى زعيم صيني منذ ماو تسي تونغ، تدخَّل فيها شخصياً. هذا يجعل حدوث تسرُّب مختبري خطير في اللحظة المحددة لتفشي فيروس كورونا أمراً شبه مؤكد.

كارثة تشبه تشيرنوبيل
تشير التفاصيل الإضافية التي قدَّمها تقرير بروبابلبكا/ فانيتي فير إلى كارثة تشبه كارثة تشيرنوبيل أكثر من كونها شبيهة بحادثة 11 شتنبر، والتي أطلقت فيها بيروقراطية شيوعية ضعيفة وفاسدة العنان لجائحة وصلت إلى كل ركن من أركان الأرض. وعلى هذا النحو، يتحمل الحزب الشيوعي الصيني مسؤولية كبيرة عن جائحة كورونا. وعليه أن يبدأ، على الأقل، في التعاون مع التحقيقات الدولية في الحادث.
ومع ذلك، لم تزل وسائل الإعلام الأمريكية غير مكترثة بشكل مذهل بأصول وباءٍ أودى بحياة 20 مليون شخص على مستوى العالم. لقد أثَّر إصدار تقرير بروبابليكا / فانيتي فير بالكاد في دورة الأخبار اليومية التي صدرت على أساسه. وبدلاً من تنافس وسائل الإعلام فيما بينها، سعياً وراء حصد جائزة بوليتزر، بتغطية قصة القرن ومحاسبة المخالفين، فإنها ما فتئت صامتة بشكل واضح.
واختتم الكاتب مقاله بالقول: إنهم يتمنون لو أن الجمهور يتوقف عن الاهتمام بهذه القضية حتى يتمكنوا من مساعدة الجناة المشاغبين في الخروج من مأزقهم. وأخشى أن يكونوا على صواب.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.