توني موريسون هي روائية أمريكيّة من أصول إفريقّية، وأستاذة الأدب الإنكليزيّ بجامعة برينستون، وحائزة جائزة نوبل للآداب عام 1993. وتمثل رواياتها وبعمق تمثيلات الأسود في المجتمع الأمريكيّ من خلال كتابة روائيّة سوداء اشتغلتْ على ما يُسمى في الأوساط النقدية العالميّة ما بعد الكولونياليّة “الأدب الأسود”. يذكر الناقد الأستراليّ بيل أشكروفت في كتابه المهم “الرد بالكتابة، النظرية والتطبيق في آداب المستعمرات القديمة” أنَّ “كتابة السود” تصدر عن فكرة العنصر race بوصفها ملمحاً أساسياً للتمييز الاقتصاديّ والسياسيّ، وتجمع كُتاباً ينتمون إلى الشتات الإفريقيّ بغض النظر عن جنسياتهم السود في الولايات المتحدة، والكاريبيون الأفارقة، وكتاب من أمم إفريقّية.
لقد انتقد الكتاب السود، كما يذكر بيل أشكروفت، المركزية الأوروبيّة الطاغية في التمثيلات الأدبية، كما انتقدوا ما سموه مقولات جديدة للهيمنة مثل “أدب الكومنولث”، وهو ما أجبر النقاد والكتاب من البلدان البيضاء المستعمرة على دراسة سلوكياتهم الخاصة تجاه العنصر، وتجاه مواقفهم الملتبسة عادة بوصفهم مستعَمرين ومستعمِرين، كما كان النقد الأسود مثيراً ومغامراً من الناحية النظرية، لكنه خاطر في بعض الأحيان بتبني ما وصفه إدوارد سعيد “النوع المزدوج من الاقتصار الاستحواذيّ”، وهو إحساس المرء بانتمائه إلى الداخل على وجه الحصر بفضل الخبرة. يحاول النقاد الأفروأمريكيون في مقارباتهم الجديدة للأدب والنظرية النقدية وجود وعي مميز لدى السود نتج عنها وجود “جماليات سوداء” على درجة عالية من الاستثنائية. ومن المقاربات النقدية المهمة في هذا المجال كتاب”Black Literature and Literary Theory.
تنتمي توني موريسون إلى هؤلاء النقاء الأفروأمريكيين في اشتغالاتهم العميقة لإثبات وجود “أدب أسود”، وكتابها”Playing in the Dark,Whiteness and the Literary Imagination ينتمي إلى هذا النوع من النقد”الأسود”. والكتاب في ترجمته العربيّة يحمل عنوان” صورة الآخر في الخيال الأدبيّ” من ترجمة الناقد والأكاديميّ المغربيّ الدكتور محمد مشبال. إنَّ الأطروحة الأساسية لتوني موريسون في هذا الكتاب هي إثبات حضور السود في الرواية الأمريكيّة بوصفه حضوراً أساسياً ومهيمناً لتحديد هوية الذات الأمريكية البيضاء. وكانت إشكاليتها البحثية الرئيسة هي الإجابة عن السؤال الآتي: كيف يتصرف التخييل الأدبيّ عندما يروم تخيل الآخر الإفريقانيّ أو عندما يصطدم بإيديولوجيته العرقيّة؟! هل يذعن لهذه الإيديولوجية أم يؤثر الإصغاء للآخر ولمستلزمات الفن الروائيّ؟ تقول توني موريسون في كتابها: “لقد أصبح فضولي لتعرف أصول هذا الحضور الإفريقاني المراقب والمبتدع بعناية ولتعرف استعمالاته الأدبية،دراسة غير رسمية لما أدعوه الأفريقانية الأمريكية: إنها بحث في الطرق التي يُبنى بها الحضور أو الشخصيات غير البيضاء والإفريقانيّة في الولايات المتحدة ، وفي الاستعمالات التخييلية التي يخدمها هذا الحضور المبتدع ؟ إنّني لا أستخدم لفظ “الإفريقانية” للدلالة على المعرفة الجامعة حول إفريقيا على نحو ما كان يقصد إلى ذلك الفيلسوف فالنتين موديمب، أو للدلالة على تنوّع الشعوب الإفريقية وتركيباتها والإشارة إلى سلالتها التي استوطنت هذا البلد. إنني بالأحرى أستخدمه باعتباره لفظًا يراد به السواد الدال والموحي الذي صارت تعنيه الشعوب الإفريقية، كما يُراد به السلسة التامة للرؤى والافتراضات والقراءات الخاطئة التي تصاحب معرفة المركزية الأوروبية بهذه الشعوب”.
في تصوّري أنتج هذا النوع من النقد “الأسود” نوعاً من التمثيلات المضاعفة ينتج مركزية جديدة حاكمة هي مركزية “أدب السود”، ويجعل المركزية الأوروبّية في حكم التابع لها. ورغم ادعاء توني موريسون الموضوعية في تصديها النقدي إلا أنَّ كتابتها بالفعل رسَّخت هيمنة مركزية جديدة أتت بوصفها خطاباً مضاداً مناهضاً لمركزية قديمة حاكمة. أي أنّنا لانزال في خطاب توني موريسون أمام الفعل ورد الفعل والخطاب والخطاب الآخر الناقض لأطروحاته والمفكِّك لها. وعربياً لايزال الاشتغال النقدي في آداب السود من الناحية الروائية في حكم النادر جداً، رغم وجود بعض الروايات العربيّة التي وظفت ثيمة السواد وأذكر منها رواية “طعم أسود.. رائحة سوداء” للروائي اليمني علي المقري، ورواية “لأني أسود” للروائية الكويتية سعداء الدعّاس ورواية “زرايب العبيد” للروائيّة الليبية نجوى بن شتوان وغيرها. فما الذي أفرز وأنتج مثل هذا النوع عربيًا!
واللافت أن هذه الروايات جميعها صادرة عن روائيين عرب لايوجد فيهم عرق إفريقيّ أسود، هل هذه الروايات المذكورة وغيرها تعي بالفعل تمثيلات السواد الثقافيّة، وتسعى إلى بلورة خطاب مناهض جديد! أم أنها فقط استنسخت نماذج جاهزة في الرواية الإفريقية الأمريكيّة وانبهرت بانبعاث مثل هذا النوع الجديد من الأدب “الأدب الأسود”!!! وهل الأسود وتمثيلاته في هذه الروايات يمتاز بخصوصية مائزة بعيدًا عن التمثيلات التي تتخذ شكلاً مناهضاً ومفككاً للخطاب المركزي! هل تندرج هذه الروايات في سياق “أدب الأقليات”! هل استطاع هؤلاء الروائيون العرب في تجريبهم الروائي هذا إبداع شيء يستحق ومغاير للمألوف والسائد من التمثيلات المنمطة المقولبة للآخر(الأسود)!!هذا ما يحتاج إلى بحث وتقصٍ: تمثيلات السود في الخطاب الروائي العربي المعاصر.