فضيحة حصول خدام الدولة على بقع أرضية بمساحة أربعة ألاف متر مربع للقطعة الواحدة مقابل ثمن قبر على حد تعبير أحد الظرفاء، ليست إلا في بدايتها، إذ لم تهم تسريبات بعض المواقع الإلكترونية إلا ثلة قليلة من المحظوظين من الخدام لا يتحاوز عددهم أسابع اليدين من مجموع أزيد من ستين محظوظا ممن استفادوا بالباطل من بقع أرضية مخصصة لفيلات فخمة بأرقى أحياء المملكة الشريفة. في البداية التفت الفضيحة حول عنق الوالي عبد الوافي لفتيت، فهب دون تردد كل وزير الداخلية ووزير المالية للدفاع عنه ببيان رسمي ربما لتطويق انتشار الرائحة الكريهة وليس حبا فيه، وما هي إلا ساعات معدودات حتى انكشف أمر الوزيرين وتبين للرأي العام الوطني بالدليل والحجة الدامغة أنهما هما الآخران استفادا من نفس الكعكة العقارية إلى جانب خدام آخرين من رجالات المخزن والوزراء والسياسيون بعضهم محنكون أو مفكرون كبار ومثقفون. هذا وقد وعد ناشرو التسريبات قراءهم ومتتبعيهم بالمزيد من الفضح مما يوحي أن الفضيحة ليست إلا في بدايتها الأولى ومن المتوقع أن تتوسع أكثر لتشمل وجوها مخزنية وسياسية أخرى وتزيل أوراق التوت عن مفكرين وأدباء ومثقفين ممن يقيم لهم المغاربة بعض الاعتبار أو يحضون في أعينهم بالتقدير الاجتماعي.
الفضيحة انفجرت على بعد أسابيع قليلة من الانتخابات البرلمانية المقبلة وبعدما بدأت رائحة احتراق طاجين العدالة والتنمية تعم المغرب بمختلف أرجائه وبكل فئاته وشرائحه شيئا فشيئا بسبب الإنجازات السلبية للحكومة الحالية إن على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي وذلك بشهادة كل المؤسسات الدستورية والمستقلة بالمغرب على حد سواء.
بعد انفجار الفضيحة انتظر المغاربة ربما بشوق إطلالة عبد الإله بنكيران باعتباره رئيس الحكومة المنتخب وما سيقوله ويقرره بهذا الخصوص، ولكن عوض أن يتوجه إليهم ولو بكلمة واحدة، فضل التوجه إلى أتباعه آمرا إياهم بالتزام الصمت بشأن هذه الفضيحة الوطنية المدوية وكان القضية لا تهم إلا حزب العدالة والتنمية وباقي المغاربة غير معنيين. تصرف السيد بنكيران في هذا الظرف بالذات، يطرح أكثر من سؤال. فإما أن السيد بنكيران هو من تسبب في هذا الانفجار المدوي كمحاولة منه للتنفيس عن أزمة حزبه الداخلية وعن افتضاح أمر خطاباته ووعوده التي تبت لجميع من صوتوا عليه أنها لاتسمن ولا تغني من جوع؟ أو هو نفسه متخوف من أن تمتد الفضيحة لتشمل بعض خدام الدولة بداخل حزبه؟ أو أن الرجل فضل بالنظر لهول الحدث تغيير المنكر بالقلب الذي هو أضعف الإيمان تماما كما فعل ذلك مرارا وتكرارا؟ أو أن السيد بنكيران منسجم مع نفسه بخصوص الريع والفساد ولذلك فضل السكوت كعلامة على الرضا وهو نفسه الذي سبق له أعلن بكل جرأة عن صلحه مع الفساد في خطابه الشهير “عفا الله عما سلف”.
والحقيقة أن أيا من هذه التبريرات لا يمكن أن يستقيم على أرض الواقع بالنسبة للسيد عبد الإله بنكيران، رئيس حكومة المغربية، الذي هو رجل دولة قبل شيء ومن المفروض عليه أن يتحمل مسؤولياته السياسية كاملة تجاه المغاربة أو على الأقل تجاه من صوتوا عليه بغض النظر عن كل الحسابات السياسية والانتخابية الضيقة، ويعلن عن موقف صريح تجاه تفويت ملك خاص للدولة لعدد من الشخصيات النافذة بأسعار بخسة. مرة أخرى يخلف السيد بنكيران موعده مع التاريخ. (سعيد صفصافي)