مع حلول اليوم الدولي للمهاجر، تتجدد النقاشات حول قضايا الهجرة، وتبرز الحاجة الملحة إلى مراجعة وتحديث الاستراتيجيات المتبعة. في هذا السياق، يواجه المغرب تحدياً مزدوجاً يتمثل في التغيرات الجيوسياسية العالمية المتسارعة، وتطلعات المهاجرين المقيمين على أرضه. إن الدعوات المتصاعدة لـ تحيين سياسة الهجرة بالمغرب لم تعد ترفاً فكرياً، بل ضرورة استراتيجية تفرضها المتغيرات الأوروبية وصعود تيار اليمين المتطرف، بالإضافة إلى الإقرار بحقوق الأجيال الجديدة من المهاجرين المندمجين كلياً في النسيج الاجتماعي المغربي.
المغرب والتحولات الأوروبية: تكييف استراتيجي لا غنى عنه
يحتل المغرب موقعاً استراتيجياً فريداً كبوابة بين إفريقيا وأوروبا، مما يجعله شريكاً رئيسياً في ملف الهجرة. وقد أشار الأستاذ الحسن جفالي، الباحث المتخصص في قضايا الهجرة، إلى أن السياسة المغربية للهجرة واللجوء، التي اعتمدت في عام 2013 بناءً على توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، قد أتمت الآن 13 عاماً من التطبيق. هذه المدة الطويلة، وما صاحبها من تحولات دولية، تستدعي اليوم عملية تحيين سياسة الهجرة بالمغرب لتواكب المستجدات. أبرز هذه المستجدات هي التوجهات الأوروبية الجديدة التي تميل بشكل متزايد نحو التشديد والصرامة في التعامل مع ملفات اللجوء والمهاجرين، مدفوعة بصعود الأحزاب اليمينية والمتطرفة في دول محورية مثل إيطاليا والمجر وهولندا، وتبنيها لنماذج صارمة كنموذج الدنمارك الذي يرفض استقبال المهاجرين. هذا الواقع الجديد يفرض على المغرب تكييف سياساته للحفاظ على مكانته كشريك استراتيجي وضمان استمرارية التعاون الإفريقي-الأوروبي القائم على مبدأ الربح المشترك.
تحديات تحيين سياسة الهجرة بالمغرب: الموازنة بين الأمن والإنسانية
لا يزال المغرب يحافظ على وضعه كبلد استقرار وعبور ومنطلق للمهاجرين، وهو وضع يفرض عليه تحديات متعددة ومعقدة. أوضح المختص في مجال الهجرة، خالد مونا، وجود تباين ملحوظ بين المقاربة الإنسانية التي تبرز في الخطابات السياسية الرسمية، والمقاربة الأمنية القوية التي تتجلى على أرض الواقع. فالهاجس الأمني يتصدر المشهد، وهو ما تؤكده الأرقام الصادرة عن وزارة الداخلية المغربية بخصوص عمليات التوقيف والحد من الهجرة غير الشرعية ومكافحة الشبكات الإجرامية. ورغم أهمية البعد الأمني في حفظ النظام العام ومحاربة الجريمة المنظمة، إلا أن منصة “Migrapress” أكدت في ورقة سياسات أصدرتها أن تحدي الهجرة في المغرب ليس مالياً أو عددياً بالأساس، بل هو إشكالية على مستوى المسؤولية والرؤية السياسية. هذا يستدعي خلق توازن حقيقي بين البعدين الأمني والإنساني في السياسات المتبعة، والانتقال من التدبير الاستثنائي نحو سياسة وطنية واضحة ومستدامة.
نحو اندماج أعمق: من الاستقرار إلى المشاركة السياسية
تتضمن الاستراتيجية الوطنية للمغرب في مجال الهجرة ثلاثة أبعاد أساسية: تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين، توفير الحماية القانونية لهم، وتحقيق إدماجهم الفعلي على المستويين الاجتماعي والاقتصادي. ومع ذلك، يرى الخبراء أن القوانين الحالية لا تتماشى تماماً مع هذه الأبعاد، وتوجد ثغرات تمنع تحقيق الحماية الكاملة أو الإدماج المنشود. في هذا الصدد، دعا الأستاذ جفالي إلى تطوير الاستراتيجية الوطنية لتتجاوز الاندماج الثلاثي (الثقافي والاقتصادي والاجتماعي) نحو مرحلة الاندماج السياسي للمهاجرين المستقرين بالمملكة. فوجود جيل جديد من أبناء المهاجرين الأفارقة الذين ولدوا ودرسوا في المغرب، وهم مندمجون تماماً في المجتمع، يفرض إعادة النظر في إمكانيات مشاركتهم في الحياة العامة. طرح المتحدث إمكانية السماح للمهاجرين بالمشاركة في الانتخابات الجماعية، على أن يكون ذلك وفق مبدأ المعاملة بالمثل في حال سمحت دولهم الأصلية للمغاربة بالتصويت هناك. هذا التوجه من شأنه أن يعزز من مكانة المغرب كنموذج رائد في تدبير ملف الهجرة.
توصيات جوهرية لـ تحيين سياسة الهجرة بالمغرب
لتحقيق نقلة نوعية في تدبير ملف الهجرة، يشدد الخبراء على ضرورة اتباع مجموعة من التوصيات والمقترحات التي من شأنها أن تعزز مكانة المغرب وتضمن استقراره الاجتماعي ونموذجاً مستداماً لتدبير الهجرة. ومن أبرز هذه التوصيات:
- إجراء تحيين شامل للسياسة الوطنية: بما يتجاوز البعد الأمني ليشمل رؤية سياسية واضحة ومسؤولة، تضمن الاستقرار الاجتماعي ونموذجاً مغربياً مستداماً.
- تكييف التشريعات مع التحولات الدولية: مراجعة القوانين الحالية لتصبح أكثر قدرة على استيعاب المهاجرين الأفارقة المقيمين في المملكة، وتجاوز الاختلالات القانونية القائمة.
- تعزيز الاندماج السياسي: النظر في إمكانية توسيع مشاركة المهاجرين المقيمين في الانتخابات المحلية، بما يعزز من انتمائهم ومساهمتهم في التنمية المحلية.
- الموازنة الفعالة بين الأمن والإنسانية: تطوير آليات تضمن معالجة القضايا الأمنية المتعلقة بالهجرة دون المساس بالحقوق الأساسية للمهاجرين واحترام كرامتهم.
إن هذا القصور القانوني يشكل عائقاً أمام مواكبة التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة، ويؤكد ضرورة أن يقوم المغرب بتحديث منظومته القانونية لتجاوز الاختلالات الحالية. لمزيد من المعلومات حول الإطار العام لسياسات الهجرة، يمكنك زيارة صفحة سياسة الهجرة على ويكيبيديا.
في الختام، يظل المغرب مطالباً بتطوير الجريدة نت، الموقع الإخباري الأول في المغرب لمنظومته القانونية والسياسية لتعكس طموحه في بناء نموذج متكامل لتدبير الهجرة، يجمع بين متطلبات السيادة الوطنية واحترام حقوق الإنسان، ويضمن اندماجاً حقيقياً يخدم التنمية المستدامة للمملكة. إن التحدي كبير، لكن الإرادة السياسية والخبرة المتراكمة كفيلتان بتحويل هذه التحديات إلى فرص لبناء مستقبل أفضل للجميع.
التعليقات (0)
اترك تعليقك