في كل مرّة كان يقف فيها الرئيس الفلسطيني “أبومازن” على منصة الأمم المتحدة، ليفرغ ما عنده بكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وتطوراتها الميدانية والسياسية، بدايةً بوصف الممارسات الاحتلالية السيئة ضد الفلسطينيين عموماً أو بالنسبة للتعنت الإسرائيلي في شأن إحراز أي تقدم في العملية السياسية، ومن جهةٍ أخرى لطلب مساعدة المجتمع الدولي لممارسة ضغوطه على الإسرائيليين من خلال اتخاذ مواقف فاعلة يكون لها الأثر الملموس في لجمهم عن ممارساتهم القمعية، وصولاً إلى إنهاء الاحتلال، لكن وقوفه هذه المرة اختلف عن الوقفات الفائتة، كونه وقوف “تفجيري” كما أنبأت تسريبات وتصريحات قيادية فلسطينية سابقة، من أنه يحمل في ثناياه الرؤية الاستراتيجية الجديدة التي سيتصرف الفلسطينيون بناء عليها، والذي ترجمه الرئيس في خطابه إلى اللغة العملية، والتي من شأنها أن تساعد في إخراج القضية الفلسطينية من القول إلى الفعل، في ضوء تعثر المفاوضات وضيق الأمل نحو العثور على حلول سياسية مناسبة مع إسرائيل، والتي اضطرت الجانب الفلسطيني إلى إظهار مستويات مستحيلة من ضبط النفس في مواجهة الانتهاكات المتكررة بشأن فهم المفاوضات، التي تهدفها إسرائيل للتغطية على مخططاتها في بناء المستوطنات وتدمير المنازل ومصادرة الأراضي.
العدوان الإسرائيلي – الجرف الصامد- الذي يرتكز على طوابع دينية وعنصرية، كان مدخلاً لتذكير المجتمع الدولي، بأنه يسعى إلى الحلول السياسية على أساس القرارات الدولية، وتوضيحاً بأن إسرائيل لا تسعى إلى السلام بقدر ما تسعى إلى الحرب، وإثباتاً بأنها تقوم – بذرائع مختلفة- بتنفيذ مهمّة القضاء على الفلسطينيين وتهجيرهم ونفيهم من الأرض، إلى جانب أنها لا تُخفي نواياها الآنيّة بشأن تخريب المصالحة الوطنية، ودفن حل الدولتين، في ضوء مشاهدة أن العدوان اعتُبِر الأقسى ضد الفلسطينيين، ويأتي ضمن سلسلة من جرائم الحرب، وجرى تنفيذه على مرأى ومسمع العالم، والذي لا تسمح أحداثه بأن ينس الفلسطينيون أو أن يغفروا حتى يتم تقديم مجرمي الحرب أمام العدالة الدولية، في إشارة واضحة بنيّة الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، إذا لم تجد تفجيراته استحساناً وقبولاً لا ئقين، وهي التي تمحورت عن مساعٍ فلسطينية لاعتماد قرار من مجلس الأمن يضع سقفاً زمنياً محدداً لإنهاء الاحتلال وحل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، عبر الحل التفاوضي والجهد الدبلوماسي الدولي، بناءً على القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن، للوصول إلى الدولة الفلسطينية داخل حدود 4 يونيو/حزيران 1967، مع القدس الشرقية عاصمة لها.
ربما كان يعلم الرئيس “أبومازن” رجع الصدى الأمريكي والإسرائيلي، سيما وأنهما لم يحفُلا بالمبادرة السياسيّة- الغير تقليديّة- كان قدمها الرئيس بنفسه للبيت الأبيض أوائل الشهر الحالي، وكان في السابق قد فشل من أجل تمرير قرار الاعتراف بدولة فلسطينية في مجلس الأمن، بعد أن رفعت الولايات المتحدة غالبية 9 من أصل 15 عضواً في المجلس من دون اتخاذها حق الفيتو.
وعلى الرغم من عدم سماع المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة، تفجيرات “أبومازن” بسبب عطلة السبت، إلاّ أن واشنطن كانت سبّاقة في اعتراض تلك التفجيرات وإسقاطها مباشرةً، ودعت إلى الامتناع عن اطلاق تفجيرات أخرى كونها استفزازية وتقوض الجهود الرامية إلى خلق الثقة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي.
ومن جهتها، فقد استقبلت إسرائيل تلك التفجيرات نفسها بالفتور والمقت، حيث عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو” عن غضبه واعتبرها تحريضيّة وكاذبة وتحتاج إلى معاملة خاصة. وبدوره اتهم وزير الخارجية “أفيغدور ليبرمان” الرئيس “أبومازن” بأنه يعتمد الضلال ولا يهتم بالسلام، علاوة على فشله في أن يكون شريكاً منطقياً للتسوية السياسية، سيما وأنه وضع يده في يد حركة حماس، ويتعامل مع مؤامرات إرهابية سياسية متعددة. وفي ردٍ حادٍ وواضحٍ من جانب رئيس حزب الليكود “داني دانون” على التفجيرات، بأن أي إعلان من جانب واحد سوف يدفع بإسرائيل إلى اتخاذ خطوات من جانب واحد أيضاً، وربما يقصد بذلك تشغيل مخططات “نفتالي بينت” زعيم البيت اليهودي في شأن إقدام إسرائيل على فرض تسوية أحادية تكون أكثر مُريحة لإسرائيل، وهذا أكثر ما يُخيف، كونها تفجيرات إسرائيلية مُقابِلة، تعمل على تجديد الصراع لا إنهاؤه.
خانيونس/فلسطين
27/9/2014